الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

الخط الصيني....تاريخ وفن

إنه فن الطبقة الراقية... يحمل في طياته الصفات الشخصية والروحية للكاتب ويمثل أداة السلطة لنشر أيديولوجية الطبقة الحاكمة".
يطلق على لفظ الخط باللغة الصينية كلمة "shufa"... أما معنى الكلمة، فهو لا ينحصر في الأسلوب الشكلي فقط أي طريقة الكتابة ولكنه يغوص إلى الأعماق ليعكس شخصية الكاتب ونضجها الفني، ظهر الخط الصيني في بداية تكوين الإمبراطورية الصينية، ويعتبر من أرفع وأرقى الفنون في الشرق الأقصى.
منذ ظهوره، اعتبر الخط الصيني أداة لكبار المسؤولين والمثقفين في الإمبراطورية الصينية لنقل القيم الأخلاقية والروحية إلى أفراد الشعب، وهكذا ابتعد عن طبقات الشعب الأدنى لينحصر بين أقلام أفراد الطبقة العليا ليكون أداة لترويج أيديولوجية الطبقة الحاكمة.
وتتمثل التقنية الخاصة بالخط الصيني في الكتابة على ورق رقيق للغاية، وهو لا يقبل أي تصحيح أو تعديل حيث إن الكتابة بالريشة لا تسمح بأي تراجع أو اهتزاز أو تردد.
أما قواعد تقييم هذا الفن، فهي ترتكز على جودة الخلق الفني في مجمله ومدى ما يعكسه من فكر الكاتب والأثر المرئي للخطوط على القارئ.
وارتبط الخط الصيني منذ ظهوره وحتى الأن ارتباطا وثيقا وجذريا بالفكرة التي يجسدها، فهو ليس نقلا مجردا للفظ شفهي إلى كلمة مدونة، مثل الحروف الأبجدية، بل يتكون من حروف يمثل كل حرف منها كلمة مستقلة بذاتها ويدون في صورة أعمدة من أعلى إلى أسفل ومن اليمين إلى اليسار.
وإذا نظرنا من الجانب الفلسفي، فيرى الصينيون القدامى أن شكل الخط ومضمونه يمثلان وحدة متكاملة.
فمادة الحبر تتصل اتصالا وثيقا بالمفهوم الفلسفي للفظ (yin) باللغة الصينية وهو يرمز إلى عدة مفاهيم كالظلال والنداوة والأنوثة والقمر واللين كما أنه يرمز إلى الخواء الذي ساد العالم قبل بداية الخليقة البشرية... أما الورق أو الحرير أي الدعاية البيضاء التي يكتب عليها فهي تجسد عند الصينيين المفهوم الفلسفي للفظ (yang) الذي يرمز إلى النور والجفاف والذكورة والشمس والشدة. ويرى الصينيون أن الأشكال المكتوبة أو المرسومة لا تظهر إلا بفضل وجود الدعاية البيضاء التي تكتب عليها.
أما الريشة، فهي تمسك بصورة عمودية وهي الأداة التي تربط بين السماء أي (yang) والأرض أي yin وهي ترمز إلى الدور البشري في تنظيم الحياة بين هاتين القوتين.
ويرى قدامى المفكرين والنقاد الصينيين أن تقييم أي عمل فني لا ينحصر في قياس مدى توفر الخصائص الفنية والأيديولوجية والأخلاقية والدينية والتربوية فيه، ولكنه يمتد لقياس مدى الترابط والتلاحم بين العمل الفني ومؤلفه. فالمخطوط هو البصمة المباشرة لقلب الكاتب ولذلك لا يعتبر عنصر الجمال الفني مقياسا لتقييم الأعمال الأدبية. المقياس المرجعي الرئيسي يتمثل في فطرة الكاتب ومدى انعكاسها على العمل الفني وهي تعتبر المعيار الوحيد الرئيسي لمعرفة قيمة العمل سواء فلسفيا أو فنيا أو حتى تشكيليا. ولذلك فإن اكتساب وتنمية الموهبة لتحقيق مخطوط يعكس فطرة الكاتب يتطلبان سنوات من المجهود والممارسة.
وقد ظل فن الكتابة أداة في يد السلطة منذ تكوين الإمبراطورية الصينية، وقد كان للخط الصيني الفضل في توحيد الإمبراطورية الصينية حيث إن التغيرات الشكلية في الخط ترمز إلى جميع التغيرات السياسية التي طرأت على البلاد فقد كان هذا الخط وسيظل ليس فقط شاهدا على العصر بل مرآة تعكس التقلبات والانهيارات التي أصابت الإمبراطورية الصينية منذ نشأتها.
ودأبت السلطات الصينية على الاستعانة بالمثقفين والكتاب كأداة شرعية لنقل أيديولوجية الطبقة الحاكمة.
ويتصف هؤلاء المثقفون بالحكمة كما كانوا يحظون باحترام وإعجاب عامة الشعب للصفات الأخلاقية الحميدة التي كانوا يتمتعون بها والتي انعكست بصورة واضحة في أعمالهم الفنية. ومما يذكر أن العديد من أباطرة الصين القدامى مارسوا فن الكتابة الأدبية لارتباطه الوطيد بالسلطة.
وقد لا نندهش عندما نرى أن الثورة الثقافية التي أعلنها ماوتسي تونغ في الصين عام 1966 كانت تدعو إلى حق الشعب الديمقراطي في ممارسة فن الكتابة وذلك بنشر صور تجسده على هيئة خطاط يحمل ريشة بيده داعيا بذلك جميع أفراد الشعب لتعلم فن الكتابة بين أيدي كبار المثقفين والادباء كان من أهم أسباب انهيار الصين في بداية القرن العشرين وخضوعها للقوى الغربية ثم جاء النظام الشيوعي إلى السلطة في عام 1949 ليقضي على ما تبقى من المخطوطات الأدبية للمثقفين والأدباء القدامى الذين كانوا ينتمون إلى الأسرة الحاكمة.
إلا أن التراث الفني والأدبي للصين لم يمت بالرغم من المحاولات العديدة للقضاء عليه وانتقل هذا الفن من الأساتذة القدامى إلى التلاميذ الشبان في العصر الجديد الذين رغبوا في الاحتفاظ بكنوز أجدادهم الفنية والأدبية.
ونجح بعض الأدباء والمثقفين المحافظين على التراث القديم في نقل هذا التراث إلى تلاميذهم في المناطق النائية والبعيدة عن السطة. ويرجع إلى هؤلاء الأدباء الشباب الفضل في إعادة اكتشاف العديد من كبار الفنانين الصينيين الذين ينتمون إلى طبقة المثقفين القدامى من الرسامين والخطاطين. وهكذا ظل القديم حيا، حتى أصبح من الضروري اليوم لأي رجل يعمل في الحقل السياسي أن يكون عضوا في نقابة الخطاطين وذلك إذا رغبت في أن يحظى باحترام وتقدير الشعب الصيني.


منقول ...ترجمة: أ. د. أسماء عامر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق