الخميس، 21 نوفمبر 2013

حقيقة المحبة



سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي عن حقيقة المحبة فقال الميل الدائم بالقلب الهائم وقال أيضاً سألتُ الشيخ سري السقطي هل يجد المحب ألم البلاء فقال لا وإن ضرب بالسيف قلت وإن ضرب بالسيف قال نعم ولو ضرب سبعين ضربةً، وقال بعض المشايخ أحببتُ كل شيءٍ يحبه حتى لو أحب النار لأحببتُ دخول النار وقال بشر بن حارث مررتُ برجُلٍ وقد النهرين في الشرقيةِ ببغداد وقد ضُرِبَ ألف سوطٍ ولم يتكلم ثم حُمِل الى الحبس فتَبِعتهُ فقلت لهُ لم ضُرِبت قال لأني عاشق فقلت ولم سكت فقال  لأن معشوقي كان بقربي فقلتُ ولو نظرت الى المعشوق الأكبر فزعق زعقةً خَرّ ميتاً وقال يحيى بن معاذ الرازي إذا نظر أهل الجنة الى الله تعالى ذهبت قلوبهم من لذة النظر إليه مائة سنة لا يرجع إليهم فما ظنك بقلوبٍ وقعت بين جماله وجلالهِ إذا  لاحظوا جماله تاهوا وإذا لاحظوا جلاله هابوا وقال بشر قصدتُ عبادان في بدايتي وإذا أنا برجُلٍ أعمى مجذوم مجنون قد صرع والنمل يأكل لحمه فقلت يارب أعمى مجذوم مجنون يأكل النمل لحمه ثم رفعتُ رأسهُ فوضعته في حجري وأنا أردد الكلام فلما أفاق قال من هذا الفضولي الذي يدخل بيني وبين ربي لو قطعني إرباً إرباً ما ازددت له إلا حباً قال بشر فما رأيتُ بعد ذلك نعمة بين عبدٍ وبين الله فأنكرتُها، وقال أبو عمر محمد أبن الأشعث البكري إن أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر الى يوسف عليه السلام فكانوا إذا جاعوا نظروا الى وجه يوسف شبعوا ويزول عنهم الجوع قال أبو سليمان الدارني ناولت أخي تمرةً فجعل يلوكها في فمه فوجدتُ حلاوتها في فمي وقال سعيد بن أحمد رأيت بالبصرىِ في خان عطا بن مسلم شاباً وفي يده مديةً وهو ينادي بأعلى صوته والناسُ حولهُ يقول شعراً: 

يوم الفراق من القيامة أطول*والموت من فقد الأحِبَةِ أجمل

قالوا الرحيل فقلتُ لستُ براحلٍ*لكن مهجتي الذي تترحل

ثم يقرُ بالمديةِ بطنهُ وَخَرَ ميتً فسألتُ عن أمرِهِ فقالوا لي إنهُ كانَ عاشقاً لفتاةٍ لبعض الملوك حُجِبَت عنهُ يوماً واحداً وبلغنا عن عمرُ بن الحارث قال كُنتُ في مجلسٍ بالرقة عند صديقٍ لي وكان معنا فتاً يعشقُ جارية مغنيةً وكانت في المجلس فضرَبَتْ بالقضيب وغنت عليهِ شعراً: 

علامةُ ذُل الهوى على العاشقين البكا* ولا سيما عاشقٌ إذا لم يجد مشتكا 

فقال لها الفتى أحسنتِ والله يا سيّدَتي أتأذنين لي أن أمت فقالت مِت راشداً فوضع رأسهُ على الوسادةَ وأطيق فمه وغمض عينيهِ فحركناهُ فإذا هو ميّت، فأنشدت:

إنما أهرب مما حل بي منك البكا*أنت إن تطلب روحي قلت ها روحي لديكا.

السبت، 16 نوفمبر 2013

في صفة المحبين وأحوالهم

فقد ذكر الله تعالى في مواضع من القرآن الكريم قوله (فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥ) سورة المائدة أية 54، وقال سبحانه في موضع أخر(فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥ) سورة البقرة أية 169، آصل المحبة الألفة وأصل البغض المخالفة وقال رويم المحبة الوفا مع الأصل وقال سيدنا الشبلي المحبة نار تشتعل وخوف يرتحل ونورٌ ينتقل ، وقال أحمد بن عطا المحبة الغيرة عند ذكره وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي إذا ذكر شيئاً دون حبيبه حُرم محبته وقال أبو يزيد البسطامي المحب يرى استقلال الكثير من نفسه واستكثار الصغير من حبيبه وقال أبو الحسين النوري المحبة معيار الله تظهر القريب والبعيد ومن أدعى المحبة يشتغل بدون الحبيب فقد أشتهر كما قال أبو علي الروذباري في شعره:

وَحَقِكَ لا نَظَرْتُ إلى سِواكا**بعينِ مودةٍ حتى أراكا
ألست معذبي بجفون طرفٍ**وبالجد المورد من جناكا

وقال سيدنا الشبلي المحبة أولها كالمزاح وآخرها ذا قاتلٌ تكدر العيش بعد نعيمها ويمر(من المُر) الحياة بعد حلاوتها، سُئِل ذو النون المصري عن المحبة فقال كشف النقاب وقطع العتاب ورفع الحجاب، سُئِل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن العشق فقال قلب خلا عن ذِكر الله فأذاقه الله طعم المخلوقين وقال أبو يعقوب السوسي قلوب إهل الأهواء سجون البلاء فإذا أراد الله عزّ وجل أن يعذبّ البلا سجنه في قلوب أهل الأهواء، سُئِل بعضهم عن المحبة فقال أفراط الرغبة وطلب الأوبه، والمحبة هي الموافقة المحبة هي لذة تجري بين المحب والمحبوب المحبة محن بالحبيب وعلامة الصادق في محبته ان لا يرى غير من يحبه ولا يذكر سواه ولا يشتغل بغيره، كما يقول الشاعر:

اروح وقد ختمت عَلَيَ فؤادي**بحبك ان يحلّ به سواكا
فلواني استطعتُ غمضتُ طرفي**فلم أّبّصر بهِ حتى اراكا

وقالت شعوانة منذ عرفت الله تعالى ما اردت معه غيره جنة ولا ناراً ولا انَسَ قَلبي بسواه، المحبة إذا غلبت على صاحبها يرى جميع الأشياء بصفة حبيبه وقيل محبوبه كما قيل عن أبي يزيد البسطامي شعره:

أيها السائِل عن قصتنا*لوترانا لم تفرق بيننا
أنا من أهوى ومن أهوى أنا**نحن روحان حللنا بدنا
فاذا أبصرتني أبصرته**وإذا أبصرته أبصرتنا

وبلغنا أن زليخا امرأة العزيز لما شغفت بيوسف عليه السلام وشغفها حباً كانت تسمي الأشياء كلها يوسف وكانت إذا أرادت الثياب أو الطعام أو الشراب كانت تقول يوسف يوسف لِغَلَبَةْ شَغَفِها بيوسف عليه السلام، وحكي عن سيدنا موسى عليه السلام لما رجع من طور سَيّناء كان من شدة شغفه بالطور يدور في بني إسرائيل فيقول طور سَيّناء طور سَيّناء، ويسمى المحبة محبةً لا نها تمحوا من القلب كل شيءٍ إلا المحبوب وقال شروق عين المحب ترضي النظر الى المحبوب وقال يحيى بن صعاد الرازي لو كانت العقوبة بيدي يوم القيامة ما عذبت العشاق لإن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار سُئِلَ بعض المشايخ عن المحبة فقال اشتهار القلوب بالثناء على المحبوب وإيثار طاعته والموافقة له كما قال ذو النون في شعره:

لو كان حبك صادقاً لَأَطَعْتُهُ***إنَ المُحِبَ لِمَن يُحِبُ مُطيع

المحبون على ثلاثةِ أحوال الحالة الأولى محبة العامة يتولد من إحسان الله عليهم والدليل عليه ما روي عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال جُبِلَتِ القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وحظوظها صفاء الود مع دوام الذِكر لإن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال من أحب شيئاً أكثر من ذِكره، والحالة الثانية من المحبة يتولد من نظر القلب الى الله سبحانه وتعالى وهو حُب الصادقين وشرطها هتك الأستار وكشف الأسرار ومحو الأرادات وأحراق جميع الصفات كما أنشد عبد السلام:

أي مُحِبٌ فيكَ لم أحكهِ**وأي ليلٍ فيك لم أبكِهِ
إن كان لا يرضيكَ إلا دمي** فقد أذِنا لَكَ في سَفْكِهِ
ما شِئتَ فافعل غير ستر الهوى**بالله لا تحرص على هتكهِ

والحالة الثالثة من المحبة يتولد من نظرهم ومعرفتهم تقدم حُبُّ اللهِ بلا علةٍ وهو محبة الصادقين والعارفين وهو دليل عليه كما سُئِلَ ذوالنون المصري عن المحبةَ الصادِقةَ فقال سقوط المحبة عن القلب والجوارح حتى لا يكون فيها المحبة ويكون الأشياء للهِ وَبِاللهِ فذلِكَ المحب لله تعالى وقال أبو يعقوب السوسي لا تصح المحبة حتى يخرج من رؤية المحبة الى رؤية المحبوب بفنا علم المحبة وقال بعضهم من أحب أخاً يحب أن يرى حفاه وفاءً وإِعراضَهُ إقبالاً ولا يسخط منه حالاً وقيل عن سيدنا الشبلي من قتله حبيبهُ فديتُهُ رؤيَتُهُ ومن قتله شوقُهُ فديَتُهُ قُربُهُ، سُئِلَ أبو علي الروذباري عن الفرق بين الهوى والمحبة فقال الهوى عند بدو المشاهدة والمحبة تناهي المؤانسة والهوى يحلُ في القلب والمحبةُ يحل فيها القلبُ، يقول الشاعر:

وما الناسُ إلاّ العاشقون ذوي الهوى**ولا خير فيمن لا يحبّ ويعشقُ


وقال سيدنا الشبلي نار الشوق تذيبُ النفس ونار المحّبةِ تذيب الأرواحَ، وقال أبو عمر الدمشقي المُحِبُ مُتَلَذِذٌ والعاشِقُ مُعَذَبُ.

وفي قوله سبحانه وتعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ) سورة ال عمران أية 31، حيث أشترط الله سبحانه وتعالى حبه وأتباعه بحب سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم وأشترط الأتباع بالحب والحب بالأتباع فكيف تتبع من لا تحبه وتحب من لا تتبعه بصدق فإذا لم تنزل عليك صفات المحبوب أي سيدي رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم فكيف تدعي إتباعهُ وحبك لله سبحانه وتعالى كما في قول سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره المَحَبَةُ نزول صفات المحبوب على بدل من صفات المحب.

الخميس، 26 سبتمبر 2013

الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) أمام الطائفتين أقواله-جزء الثاني:

ويقول سيدنا الشيخ جنيد قدس سره في مدح سيدنا رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم أجتمع فيه أربعة أشياء السخاء والألفة والنصيحة والشفقة ويقول في خلقه صل الله تعالى عليه وآله كان خلقه عظيماً لإنه لم يكن له همة سوى الله تعالى،
 وفي صفة المريد وأحوالهم يقول سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره: متى تصح إرادة المريد فقال إذا ازال الله وسواس قلبه يهيج، سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره ماذا يطلب المريد من العلوم فقال الحكايات قيل وما فائدتها قال يقوي قيل ألهذا أصلٌ في كتاب الله تعالى قال نعم قال الله عز وجل (وَكُلًّۭا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ) أية 120 سورة هود، وقال سيدنا الجنيد قدس سره َإذا رأيت المريد يطلب السماع فأعلم أن فيه بقيةٌ من البطالة، ويقول في السماع أيضاً تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاث مواضع: عند الأكل لانهم يأكلون عن فاقة، وعند المذاكرة لانهم يتحاورون في مقامات الصديقين وأحوال النبيين، وعند السماع لانهم يسمعون بوجد ويشهدون حقاً، وقال في أدب الصوفي قدس سره من أعان نفسه على هواها فقد أشرك في قتل نفسه، لإن العبوديةَ ملازمة الأدب والطغيان سوء الأدب، ويقول كذلك لا يضر نقصان الوجد مع فضل العلم، وفضل العلم أتم من فضل الوجد، وسُئِل عن التواضع قدس سره: فقال خفض الجناح ولين الجانب، وسُئِل الشيخ قدس سره عن الفتوة فقال احتمال زلل الإخوان، ويقول في الصلاة: لكل شيء صفوة، وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى، وإنما كانت التكبيرة صفوة لإنها موضع النية وأول الصلاة.
وسُئِل ما فريضة الصلاة؟ قال: قطع العلائق، وجمع الهم، والحضور بين يدي الله سبحانه وتعالى.
ومن قوله لأصحابه: لو علمت أن الصلاة ركعتين لي أفضل من جلوسي معكم ما جلست عندكم، وقال في الصحبة أيضاً: ما تواخى اثنان في الله واستوحش أحدهما إلا لعلة في أحدهما، وقال في الروح: الروح شيءٌ أستأثر الله بعلمه ولا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود، ولكن نجعل للصادقين محملاً لأقوالهم وأفعالهم.
وقال في محاسبة النفس: من حسنت رعايته دامت ولايته، وقال في الزهد: خلو الأيدي من الأملاك والقلوب من التتبع، ويقول في الصبر: إن الله أكرم المؤمنين بالإيمان، وأكرم الإيمان بالعقل وأكرم العقل بالصبر، فالإيمان زين المؤمنين، والعقل زين الأيمان والصبر زين العقل، وقال قدس سره في الشكر: فرض الشكر الاعتراف بالنعم بالقلب واللسان، وقال في التوكل: التوكل أن تكون لله كما لم تكن، فيكون الله لك كما لم يزل، وقال في الرضا: هو صحة العلم الواصل الى القلوب، فإذا باشر القلب حقيقة العلم أداهُ إلى الرضا، وليس الرضا والمحبة كالخوف والرجاء، فإنهما حلان لا يفارقان العبد في الدنيا والآخرة لأنه في الجنة لا يستغني عن الرضا والمحبة، وقال في المحبة: دخول صفات المحبوب على  البدل من صفات المحب، وسئل عن الأنس فقال: ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة مع وجود الهيبة، وقال أيضاً في الأنس: إن الله تعالى يقرب من قلوب عباده على حسب ما يرى من قرب قلوب عباده منه، فانظر ماذا يقرب من قلبك، وقال: الواصل هو الحاصل عند ربه، وقال في الفناء: الفناء استعجام الكل عن أوصافك واشتغال الكل منك بكليته، وقال أيضاً: القرب بالوجد جمع، وغيبته في البشرية تفرقة، وقال في التجلي والاستتار: إنما هو تأديب وتهذيب وتذويب، فالتأديب: محل الاستتار وهو للعوام، والتهذيب للخواص وهو التجلي، والتذويب للأولياء وهو المشاهدة، وقال في اليقين: حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك، وهو أن يشاهد الغيوب كما يشاهد المرئيات ومشاهدة عيان، ويحكم على الغيب فيخبر عنه بالصدق، كما أخبر الصديق حين قال-لما قال له رسول الله رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم( ماذا أبقيت لعيالك؟ قال: الله ورسوله).
وقال في الابتداء: أكثر العوائق والحوائل والموانع من فساد الابتداء، فالمريد في أول سلوك هذا الطريق يحتاج إلى إحكام النية، وإحكام النية: تنزيهها من دواعي الهوى، وكل ما كان للنفس فيه خط عاجل، حتى يكون خرجه خالصاً لله تعالى، ويقول قدس سره في صدق التوجه: لو أقبل الصادق على الله ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة لكان ما فاته من الله أكثر مما ناله، وسُئِل قدس سره عن النهاية فقال: هي الرجوع الى البداية ومعناه (أن يعود بعد الوصول والعلم والمعرفة كأنه في بدايته بالنسبة للمريد كما في قوله تعالى (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنۢ بَعْدِ عِلْمٍۢ شَيْـًۭٔا) أية 5 سورة الحج.
وحكي عنه قدس سره ورد عليه في وقت السماع وارد فغيبه فسقط طرف ردائِه فوطئه ثم مدّ يده فرفعه فقيل له في ذلك فقال غبت ثم حضرت واستحيت من الله أن أدعي الغيبة في حال الحضور، وقال في صفة المحبين وأحوالهم: إذا ذكر شيئاً دون حبيبه حرم محبته، وسُئِل عن الحقيقة المحبة فقال: الميل الدائم بالقلب الهائم، وسئل قدس سره بماذا عرفت الله تعالى؟ فقال: عرفت ربي بربي ولو لا فضل ربي ما عرفت ربي، وقال المعرفة اطلاع الحق على الأسرار بمواصلة لطائف الأنوار، وقال من عرف الله تعالى طال حزنه، وقال أيضاً: نظر العارفون فإذا ليس بينهم وبين الله حجاب غير الدنيا فهتكوا، وقال في التوكل: لا تهتم لرزقك الذي قد كفيته واعمل عملك الذي قدرته فإن ذلك من عمل الكرام والفتيان، وقال في صفة التوكل: ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب انما هو سكون القلب الى ما وعد الله تعالى، وسُئِل عن التوكل فقال: اعتماد القلوب على الله تعالى في جميع الأحوال، وقال في الصمت: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الربّ من القلب والقلب إذا عري من الهيبة فقد عري من الإيمان، وسُئِل قدس سره في الشفقة على الخلق قال: أن تعطيهم من نفسك ما يطلبون ولا تحملهم ما لا يطيقون ولا تخاطبهم بما لا يعلمون، وقال في كراهية السؤال: من فتح على نفسه باباً فيه حسنةٌ فتح عليه سبعين باباً من التوفيق ومن فتح على نفسه باباً فيه سيئةٌ فتح الله عليه سبعين باباً من الخذلان من حيث لا يشعر، وسُئِل عن المكاسب فقال: استسقاء الماء والتقاط النوى، وفي وصيةٍ له لبعض أصحابه: يا فتى ألزم العلمَ ولو ورد عليك ما ورد من الأحوال يكون العلم مصحوبك لان الله تعالى يقول (وَٱلرَّ‌ٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ) أية 7 سورة آل عمران.

وقال أيضاً يوصي أصحابه قدس سره: طالب نفسك بحقوق الناس ولا تطالبهم بحقك تسترح، وقال أيضاً: بعد ما أشرتم إليه فلا تلتفتوا الى غيره (أي الى غير الله سبحانه وتعالى).
مصادر:
روضة المريدين-لأبي جعفر محمد بن الحسين بن أحمد بن يزدانيار.
عوارف المعارف-عبد القاهر بن عبد الله السهروردي.
جمع الأقوال في هذا المقال حقوقها محفوظ لصاحب المدونة.

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

في الصُحْبَةِ مع الصُوفِيَّةِ

قال أحمد بن محمد من صحب الصوفية فليصحبهم بلا نفسٍ ولا قلبٍ ولا ملكٍ فمتى نظر الى شيءٍ من أسباب قطعه ذلك عن بلوغ مقصده وقال إبراهيم الخواص بصحبة الفقراء أي المريدين الصادقين يصل العبد الى مقام العارفين، حكي عن أحمد بن عبد الله الشرويني ان أبا بكر بن دينار الأرموي رآه في النوم فقال له أي الأعمال وجدته أنفع فقال ما وجدت شيئاً بعد التوحيد أنفع من صحبةِ الفقراء فقلت أي الأعمال أضر قال الوقيعة في الصوفيةِ لم أجد ثَمَ أوجه منهم ولو أنهم أستوهبوني لكنت من الهالكين وكاد ان يَحبِطَ اعمال كلامي فيهم فبفضل معروفهم نجوت، حكي عن أبراهيم بن شيبان انه قال كنا لا نصحب من يقول لعلي و ركوتي، وقال أبو أحمد القلانسي أستاذ سيدنا جنيد قدس سره دخلت على قومٍ من الفقراء بالبصرة فأكرموني ويبجلوني فقلت يوماً أين أزاري فسقطت من أعينهم، وقال أبراهيم المولد دخلت طرطوس فقيل لي أن ها هنا جماعة من إخوانك وهم مجتمعون في دارٍ فدخلت عليهم فرأيت سبعة عشر فقيراً كلهم على قلبٍ واحدٍ، وقال أبو سعيد الخراز صحبت الصوفية خمسين سنةً ما وقع بيني وبينهم خلاف قيل وكيف ذلك قال لإني كنت معهم على نفسي، وقال ذو النون المصري لا تصحب مع الله إلا بالموافقةِ ولا مع الحلق إلا بالمناصَحةِ ولا مع النفسِ إلا بالمخالفةِ ولا مع الشيطان إلا بالمحاربةِ، وكان إبراهيم أبن أدهم إذا صحبه إنسان شارطهُ على ثلاثةِ أشياء أن تكون الخدمة والأذان له وأن تكون يده في جميع ما يفتحه الله عليهِ من الدنيا كأيديهم، فقال له رجل من أصحابه أنا لا أقدر على ذلك قال أعجبني صدقك، وقال عثمان بن زياد إذا رأيتم الرجل كثير الأخلاء فاعلموا أنه مخلّط، وقال أبو حازم إذا كان لك أخ في الله فلا تعامله في أمر دنياك، وقال مالك بن دينار وجدت أخوة زماننا هذا مثل مرقة الطباخ طيبة الريح لا طعم لها، وروي عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم أكثروا من الإخوان فإن ربكم جلّ جلاله حيٌ يستحي أن يُعَذِبَ عبده بين إخوانه يوم القيامة، يا أخي لا تواخي من يصحبك لخوفٍ أو طمعٍ أو نفاقٍ فإن (ٱلْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍۭ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ)، يقال من أراد صديقٍ بلا عيبٍ بقي بلا صديقِ، وقال يحيى بن معاذ الرازي بئس الصديق تحتاج معه الى مداراة، وقال أبو عمر الدمشقي يا أخي لا تصحب غير الله فإنه الذي يكفيك المهمات ويشكرك على الحسنات ويستر عليك السيئات ولا يفارقك خطوة من الخطوات، وقال يوسف بن الحسين نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أتوا فنظرتُ آفة الصوفيةِ ثلاثةٍ في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد وأرفاق النسوان، حكى سيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه أنه قال من أراد أن يدوم مودة أخيه فلا يماريه ولا يمازحه ولا يعده وعداً فيخلفهُ، وقال سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم من أحسن صحبته مع صاحبهِ أحسن الله صحبته في الدنيا والأخرة(مَن أحسَنَ صحبةً صاحَبَهَا أحسنَ اللهُ صحبتَهُ في الدُّنْيَا والآخرةِ) الراوي: +%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%A3%D9%86%D8%B3+%D8%A8%D9%86+%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83 أنس بن مالك المحدث:ابن القيسراني - المصدر: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 4/2182
خلاصة حكم المحدث: [فيه] جعفر الهاشمي وكان يروي الموضوعات عن الثقات ويسرق الحديث من الأثبات ،
سُئِل سيدنا الشيخ الحسن البصري قدس سره عن الصديق الذي يحل أكل ماله بغير اذنه فقال من استراحت إليه النفس وسكن به القلب فإذا كان كذلك فلا إذن في ماله، أنشد علي بن موسى الخراز لنفسه شعراً:
أصحب من الإخوان من ودّه*أصفى من الياقوت والجوهر
ومن إذا سرّك أودعتهُ*لم يذكر السرّ الى المحشر
ومن إذا أذنبت ذنباً أتى*معتذراً عنك ولم يجهر
ومن إذا غِبتَ له غيبة*أقلقه الشوق فلم يَصْبر

قال الفضيل بن عياض من كان له أخاً في الله فقد وجب عليه حقَّهُ والمواساةُ له في ماله والحفظ له في غيبته، وقال أيضاً في آخر الزمان يفشوا الكَذب وتكثر الغيبَة فانظر من يكون خدنك (أي صديقك)، وقال أيضاً البلاءُ أن تكون خدن الرجل صاحب بدعة، وقيل في كتاب منثور الحكمة لا يفسدك الظنّ على صديق أصلحه اليقين، وقيل ر يثق بالصديق قبل مخبره ولا ترفع بالعدوّ قبل القدرة ولا تعاتب أخاك عثرةٍ سبقت منه ولا تَلمُهُ على ذلك ولا تكشف سرّهُ وأدعُ لهُ بظهر الغيب واسأل الله تعالى رده الى أجمل عاداتهِ وقابله بالصحة على حد اللين والعطفِ فإن لين الملامة تعود على صاحبه عن قليلٍ كالبغي ألا ترى كيف ذكر الله عَزّ وَجَلّ في قصة يوسف عليه السلام(فَذَ‌ٰلِكُنَّ ٱلَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ) أية 32 سورة يوسف.

وقال أبو عثمان الحيري اخوة الدّين أثبت من اخوة النسب فإن أخوة النسب ينقطع بمخالفة الدين وأخوة الدين لا ينقطع بمخالفة النسب، سمى الله عزّ وَجَلّ يوشع بن نون فتى لانه أحسن صحبة نبيه عليه السلام، وقال مجاهد لأيوب السختياني يا أيوب صاحب الأصحاب على الورع والخوف وخادن على الزهد في الدنيا والأثرة لله على ما سواه يا أيوب صاحب الأخيار وخادن الأبرار وشاور المتقين تكن من الله خالصي يا أيوب أكثر صحبة من يخشى الله ومن يبصرك عيوبك ويدلك على دوائك، وقال بعضهم صديقك من حذرك الذنوب ورفيقك من أراك العيوب وأخوك من أرشدك الى ربّك، وقال أبو عثمان الحيري من صحت صحبتهُ مع الله لزم قراءة كتابه بالتدبير وآثر كلامهُ على كل كلامٍ وأتبع آدابه و أوامره وما خوطب به ومن صحت صحبته مع رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم أتبَع أخلاقه وآدابه وشمائِلهُ ومن صحت صحبته مع أولياء اللهِ تعالى أتبع سيرتهم وطريقتهم وتأدب بآدابهم ولزم سنتهم ومن سقط عن هذه الدرجة فهو من الهالكين، وقال أبو بكر الكتاني كل نفقةٍ يسأل عنها العبد يوم القيامة إلا نفقة الأخ مع أخيه فإن الله عز وجلّ يستحي ان يسأله عنها، وقال أبن زيد المدايني صحبت الناس قديماً فرأيت قوماً كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر اللهُ عيوبهم وأذهب عنهم تلك العيوب ورأيت أقواماً لم يكن لهم عيوبٌ فعابوا الناس فصارت لهم عيوب، وقال وهب بن الورد خالطت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي ذنباً فيما بيني وبينه ولا واصلني إذا قطعته ولا ستر على عورةً ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بها ولاءِ حمق كبير، فأوصي نفسك وإخوانك من المسلمين بتقوى اللهِ وطاعته ولزم السنة والجماعة ورعاية القربى وتصفية الخلوة وقلة الصحبةِ والفرار بالدين العزيز الذي  لا عوض لهُ ثم إن أحوجتَ يا أخي الى الصحبة فاصحب الصالحين الورعين وأهل الخشيةِ والمراقبة بالمداراة والموافقة وآداء حقوقهم منك وترك مطالبتهم حقوقك منهم لعلك تنجوا وقَلَ من ينجوا في هذا الوقت من أيدي الناس ولسانهم إلا من أقتصر ورضي بالبلغة فإني لا أرى لإخواني في هذا الزمان والوقت خيراً لهم من الاقتصار في الدنيا والرضا بالقلة فأن الحرام كثيرٌ والحلال قليلٌ يسير فطالبُ الحرام ذاهبٌ في غفلته وطالب الحلال ثابتٌ في جَوعته لقلة ما يجد وليس كالاقتصاد في هذا الوقت وترك الشهوات والرضا بالكسرة وستر العورة فإن التقلل في هذا الوقت يحي القلوب الميتة ويصفي الأحوال الكدرة فمن قل ذنبهُ قل شغله وقلّ حسابهُ ومن قلّ أكله قلّ تخلفه وتعرضه وقليل العلم مع الاستعمال والديانة خير من كثير العلم مع حب الدنيا والرياسة والحذر الحذر يا أخي فإن الزمان عجيبة والفتنة واقعةٌ فلا يغرنك أشواق المنسوبين الى العلم فان العلم في الحقيقة هو الخشية ومن كان في العلم بلا خشية جره علمه الى العطب والهلاك فمن الخشية تكون المحاسبة ومن المحاسبة تكون المراقبة ومن المراقبة تكون دوام الشغل باللهِ سبحانهُ وتعالى فاغبط الناس في زماننا هذا من عرف زمانه وحفظ لسانه ولزم شأنه.

في حقيقة الفقر(أي المريد) وصفة المحققين

قال الله تعالى عز وجل (لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًۭا فِى ٱلْأَرْضِ) أية 273 سورة البقرة، وَأَخْبَرَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ جَدِّي جَابِرٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ عن أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ سيدنا الإمام عَلِيٍّ كرم الله وجهه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : " الْفَقْرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَزْيَنُ مِنَ الْعِذَارِ عَلَى خَدِّ الْفَرَسِ ، سُئِل سيدنا الشبلي من حقيقة الفقر فقال أن لا ترى في الدارين مع الله غير الله، ولا يكون الفقير صادقاً في فقره حتى يترك الأخوان والأصحاب كما قال بشر أبن الحارث(الحافي) إذا كان للفقير إخوان فإنه لا يفلح لانهم إذا اجتمعوا لا يسلمون من المزاح وذكر الناس في الغيبة، وعلامة الفقير المحقق فيه أن يفتقر إليه كل شيء ويستغني هو عن كل شيء، وعلامة الفقير الصادق إظهار الشبع عند الجوع والفرح عند الحزن والنشاط عند الكسل وأن يذّل بعد العزّ ويفتقر بعد الغنى وأن يصير مردوداً بعد أن يكون مقبولاً، وعلامة الفقير الكاذب ثلاثة أن يغر بعد الذّل وأن يستغني بعد الفقر وأن يظهر بعد الخفاء، وروي عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال ان أول تحفة المؤمن الفقر، ولمعمر بن أحمد الأصفهاني في حقيقة الفقر شعر:
رضيت الفقر ثم القصد حالي*وقلبي شاخصٌ نحو الموالي
وصبري مؤنسي والفقر زيني*وحمل الضر أحوال الرجالي
وما الدنيا وما المقبول فيها*وفي أقبالها خير الزوالي
وإني صابر في القصد فيها* بحمد اللهِ ربيّ ذي الجلالي
غنايي ظاهر في حال فقري*وقلبي واثقٌ والفقر حالي
وأرضى باختلال لا أبالي*فإن الدهر يجري بأنتقالي
وما الدنيا بما فيها بدارٍ*بلَي في النوم أو في الظلالي

وحقيقة الفقر هو الغني بالله والغنى بالله هو الفقر الى اللهِ عزّ وَجَلّ وكل حقيقة لا يتبعها الشريعة فهي زندقة وكل شريعَةٍ لا يتبها حقيقة فهي ضلالةٌ، وعلامة الفقير الصادق الصدق في جميع الحركات والتقلل من المباحات والصم عن كثيرٍ من المسموعات، وقال محمد الحريري حقيقة الفقير ألا يطلب المعدوم حتى يبذل الموجود ومن لم يصحبه في التصوف ثلاثةُ أشياء فليس من أهله صيانة الفقرِ بالدعاء وصيانة العلم بالاستعمال وصيانة المعرفة بالخدمة، وسُئِل ذو النون عن حقيقة الفقر فقال انقطاع الحيلة، وقال أبو عبد الرحمن السلمي الفقير من لم يكن له عمل يرضيه ولا حال يرجع إليهِ ولا وقت يسكن فيه ولا علم يستريحُ إليهِ ويكون سرهُ مشاهداً للحق لا يكون له عنه رجوع ابداً، وأدب الفقير ثلاثة أشياء أن لا يسأل ولا يعارض وأن عورض سكت وقال سهل بن عبد الله علامة الفقير الصادق ثلاثة لا يسأل إذا أحتاج ولا يرد إذا أعطى ولا يحبس لوقت ثانٍ إذا أخذ.

الأحد، 15 سبتمبر 2013

صفة المريدين وأحوالهم

المريد على وجهين مريد بالله ومريد بأمر الله فمعنى مريد بالله هو الخروج عن حد الكونين وعن حد نفسه في الوقوف مع الله عز وجل بلا علاقةٍ ولا سبب وأما المريد بأمر الله فهو القائم مع العلم والوفاء لقوله عز وجل (ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَـٰقَ) أية 20 سورة الرعد.
سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره: متى تصح إرادة المريد فقال إذا ازال الله وسواس قلبه يهيج، وقال أبو عثمان النيسابوري مَن لم تصح ارادته في الابتداء لا يزيده مرور الأيام عليه إلا أدباراً، قال أبو عبد الرحمن بن حفص السقا دخلت على أبي عبد الله الصاحي بأصبهان لأسأله عن مسألة وكنت حدثاً فلما سألته قال أمض وصم النهار وقم الليل عشر سنين ولا تسألنا عن مسألةٍ فإنك إذا أتيتنا بعد عشر سنين قلنا لك أنك لا شيء وإلا فلا شيء، وقال بعض المشايخ حال المريدين نهارهم صيامٌ وليلهم قيام وظهورهم ركوع وجباههم سُجود وأعينهم دموعٌ، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره سمعت السري السقطي قدس سره يقول إن أدنى المنازل أحوال المريد مع الله إجابة الله فيما يريد فإذا وافق الله عبداً جعل نهاية ارادته ببداية التصوف، سُئِل أبو الحسين بماذا يستضئ للمريد بصيرته فقال بغض البصر عن المحارم وترك الشهوات أجمع، سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره ماذا يطلب المريد من العلوم فقال الحكايات قيل وما فائدتها قال يقوي قيل ألهذا أصلٌ في كتاب الله تعالى قال نعم قال الله عز وجل (وَكُلًّۭا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ)أية 120 سورة هود، وقال سيدنا الجنيد قدس سره َإذا رأيت المريد يحب السماع فأعلم أن فيه بقيةٌ من البطالة، وقال يوسف أبن الحسين إذا رأيت المريد يشتغل بالرقص فليس يجيء منه شيء، سُئِل سيدنا الشيخ الحسن البصري قدس سره عن المريد فقال يده ركوتهُ وذراعهُ مخدته فإن طلب فالربُ ضمانتهُ.

أحكام المريدين وأدابهم:

قال سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم ما مِنْ شابٍ أكرم شيخاً لكبر سنهِ إلا قيضَ الله له من يكرمه عند كبر سنهِ(الراوي: أنس بن مالك المحدث:السيوطي - المصدر: الجامع الصغير الصفحة أو الرقم: 7831خلاصة حكم المحدث: حسن) ، إن المريد إذا حصلت له منزلة الإرادة صلح لخدمة الشيخ، وقال أبو بكر الكتاني من حكم المريد أن يكون فيه ثلاثة أشياء نومه غلبة واكله فاقة وكلامه ضرورةً، والأصل لذي هو أساس المريد من عليه خمسة أشياء ترك رؤية الخلق ورفض الدنيا وكف الأذى واحتمال البلوى والإناخةُ بِباب المولى عز وجل، ومن احكامهم ما قال سيدنا الشيخ الشبلي قدس سره من لا يراعي أسراره مع الحق لا يكاشف عن غير الحقيقة أبداً، حكي عن أبي بكر بن جارح الأصفهاني انه قال ما قصدني مريد بالصدق إلا رجعت الى بدايتي في العبادة والخدمة حتى يأخذ مني ذلك، وروي سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال من أخلص من أمتي لله العبادة أربعين صباحاً نور الله قلبهُ وشرح صدره وأطلق لسانه بالحكمة ولو كان أعجمياً، قال أبو يعقوب السوسي محمد بن علي الكتاني  دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء امرهِ فأخذنا من مرقعته قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانقٍ من كثرة الرياضةِ وشدة مجاهدَتِهِ، وقال سهل بن عبد الله آلة الفقير حفظ سره وأداء فرضه وصيانةُ فقرهِ، وقال أداب المريدين ترك الملامة والتعيير لمن أبتلي بطلب الدُنيا، ومن أداب المريدين ما حكي عن ممشاد أنه قال م دخلت قط على شيخ من المشايخ إلا وأنا خلٍ عن جميع ما لي أنتظر بركاته ما يرد علي من رويته أو كلامه فإن دخلتُ على شيخ بحظٍ انقطع عنه بركات رويتي ومجالستي، وقال أيضاً رأيت في بعض أصفاري شيخاً فقلت له يا سيدي كلمة تزودني بها فقال حفظ همتك فإن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت همته وصدق فيها صلح له ما ورائها من الأعمال والأحوال، وقال أيضاً المريد في الألتزام حرمة المشايخ وخدمة الإخوان والخروج عن الأسباب وحفظ آداب الشرع على نفسهِ، وقال أبو عثمان النيسابوري صحبتُ أبا حفص النيسابوي وأنا شابٌ فطردني مرَةً فقال لي لا تجلس عندي فقمت من عنده ولم أولِ ظهري إليهِ وانصرفتُ أمشي الى وراءِ ووجهي إليهِ حتى غِبتُ عنهُ وجعلت في نفسي أن أحفر على بابهِ حفرَةً وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره فلما رأى ذلك مني دناني وقربني وجعلني  من خواص أصحابهِ، وقال محمد بن أحمد المقري دخلتُ على عبد الله الخزاز مع أبي العباس المروي فسأله أبو العباس عن مسألةٍ فبكى عبد الله الخزاز وقال كان المريدون قبل هذا يجتهِدون في الجوع والعري والأسفار وقال كان المريدون بعد ذلك سألون المشايخ وهذا الفتى يسألُ من ابتداء أرادته ذهب واللهِ آداب المريدين، ومن آداب المريدين أن يبدأ بتأديب نفسه فإذا فرغ منها لتشتغل بتأديب غيره ومتى تفرغ العبد من تأديب نفسه ونفسه محل الآفات والبلياتِ وهي الأمارة بالسوءِ سُئِل أبو حفص النيسابوري عن آداب المريدين فقال حرمات المشايخ وحسن العشرة مع الإخوان والنصيحة للأصاغر وقبول النصيحة من الأكابر وترك الخصومةِ مع الرفقاء وملازمة الإيثار ومجانبة الأغيار، ومن آدابهم ما قال سيدنا الشيخ سري السقطي قدس سره أربع خصالٍ ترفع العبد العلم والأدب والفقهُ والأمانة وقال أيضاً من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله، ومن آداب المريدين حفظ جوارحهم كلها كما قال سهل بن عبد الله ما من عبدٍ حفظ جوارحه إلا حفظ الله عليهِ قلبه ومن حفظ اللهُ عليهِ قلبهُ جعله أميناً وما من عبدٍ جعله الله أميناً إلا جعله إماماً يقتدى بهِ وما من عبدٍ جعله الله إماماً إلا جعله حُجّةً على خلقهِ، وقال شيخنا السري السقطي قدس سره من أخلاق المريدين أن لا يمشي خطوة لنفسهِ فيها لذةً ولا إرادةً ولا شهوةً ويكون خارجاً من سلطان الهوى آيساً مما في ايدي الناس لا يقرب يده لبطنه وفرجهِ فيقتدي بمن فوقه ويزهد في الناسِ والشهوة والرياسة والثناء عليهِ.

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) أمام الطائفتين أقواله-جزء الأول

أورد هنا بعض ما جمعته من أقوال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي والتي مرر بها خلال قراءتي لبعض الكتب والمخطوطات القديمة التي تعتني بالتصوف وأهله وله قدس سره عدد من الرسائل طبع بعض منها في العراق، عسى الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بعلمه وببركته قدس سره.
أصله:  
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثالث الهجري، أصله نهاوند في همدان (مدينة اذرية)، ومولده ومنشؤه ببغداد سنة 221هجري. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة. صحب جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبة خاله سري السقطي، والحارث المحاسبي. ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة. توفي يوم السبت سنة 297 هـ ببغداد.
سيرته:
قال: "كنت بين يدي خالي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: "يا غلام؟ ما الشكر" قلت: "الشكر ألا تعصي الله بنعمه". فقال لي: "أخشى أن يكون حظك من الله لسانك!" قال الجنيد: "فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي خالي السري".
وقال: "قال لي خالي سري السقطي: "تكلم على الناس" وكان في قلبي حشمة من ذلك، فاني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت ليلة في المنام، رسول الله -وكانت ليلة جمعة -فقال لي: "تكلم على الناس". فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح، فدققت الباب، فقال: "لم تصدقنا حتى قيل لك". فقعدت في غد للناس بالجامع، وأنتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: "أيها الشيخ! ما معنى قوله: (أتقوا فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله) فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: "أسلم فقد حان وقت إسلامك" فأسلم".
أساتذته: محمد بن إبراهيم البغدادي البزاز أبو حمزة، بشر بن الحارث، خاله السري السقطي.
أصحابه: أبو بكر الشبلي، أبو محمد الجريري، وأبن الأعرابي أبو العباس أحمد بن محمد بن زياد، إسماعيل بن نجيد، علي بن بندار أبو الحسن الصيرفي، عبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي الأصل، أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي، من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم.
مؤلفاته: صدر كتاب "رسائل الجنيد "اول عمل يجمع كلا رسائل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) واقواله المأثورة" عن دار اقرا، بتحقيق الدكتور جمال رجب سيدبي وتصدير الدكتور عاطف العراقي، الطبعة الأولى، 2005.
قال المحقق الدكتور جمال رجب سيدبي في مقدمة الكتاب بعد حديثه عن أسباب عدم نشر وتحقيق رسائل الجنيد "لمثل هذين السببين اللذين اشرت اليهما آنفا ما دفعني إلى محاولة تحقيق المخطوطات، والبحث عن النسخ للمقابلة، وأصبح مجمل هذه المخطوطات بعد التحقيق حوالي ستة عشر مخطوطا، ولم اكتف بهذا وحسب، بل اضفت إلى هذا العمل كل ما تركه الامام من رسائل واقوال متناثرة من مصادر التصوف الاصلية والقريبة العهد نسبيا بحياة الإمام الجنيد" وصل بذلك عدد رسائل الجنيد إلى واحد وثلاثين رسالة وهي: كتاب القصد إلى الله، كتاب السر في انفاس الصوفية، كتاب دواء الأرواح، كتاب دواء التفريط، كتاب ادب المفتقر إلى الله، الفرق بين الإخلاص والصدق، كتاب الفناء، كتاب الميثاق، في الالوهية، كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي تعالى، نسخة من كتاب الجنيد إلى ابي يعقوب يوسف بن الحسين الرازي رحمة الله عليهما، رسالة ابي القاسم الجنيد إلى يوسف بن يحيى رحمة الله عليهما، رسالة ابي القاسم الجنيد بن محمد إلى يحيى بن معاذ رحمة الله عليهما، رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه، رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه، رسالة إلى بعض اخوانه، رسالة إلى جعفر الخالدي، رسالة في المعرفة، رسالة الجنيد إلى ابي اسحاق المرستاني، رسالة إلى بعض اخوانه، رسالة إلى بعض اخوانه، رسالة إلى بعض اخوانه، النظر الصحيح إلى الدنيا، رأي الجنيد في الذكر الخفي، كتابه إلى ابي العباس الدينوري، عقبات الوصال، رسالة في الايمان، صفة العاقل، رسالة في التوحيد، رسالة الجنيد إلى ابي بكر الكسائي، رسالة الجنيد إلى علي بن سهل الأصبهاني.
لحظات وفاته:

وقال أبو محمد الجريري: "كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته -وكان يوم جمعة-وهو يقرأ، فقلت: "أرفق بنفسك" فقال: "ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي". وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: "ما هذا يا أبا القاسم"، قال: "هذه نعم. الله أكبر". فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: "لو اضطجعت"، قال: "يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر". فلم يزل ذلك حاله حتى مات". وقال ابن عطاء: "دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: "اعذرني فإني كنت في وردي"، ثم حول وجهه إلى القبلة ومات". وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف.
أقواله:-
قال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي(قدس الله سره) الفقير تحت البلاءِ وبلاؤهُ كلهُ عِلم، سمعت السري يقول كل فقير سكن الى سبب وأستظل بظل أرباب الدنيا وأوى الى رفيق دون الحق فهو مشركٌ، وقال إياكم أن تبيعوا أسركم برفق ومدح وتخالطوا غير أبناء الجنس وتتقربوا الى مترسمٍ برسم علمٍ فإني أخافُ عليكم فساد الخواطر وظلمة الأسرار وطر الحق هذه وصيتي إليكم، لو علمت ان تحت أديم السماء أشرف من علمنا هذا لقصدته وسعيت إليه وإلى أهله حتى أسمع منهم وأسألهم وأجالسهم ولو علمت أن صلاة التطوع أفضل من الجلوس معهم ما جلست، وسُئِلَ سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره عن صفة الصوفية فقال رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُو اللَّهَ عَلَيْهِ فقيل له كيف سيماهم قال لا يرتد إليهم طرفهم وأفئِدتهم هواء، وقد قيل لسيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من طول صحبتك مع الخلق ما أفادك قال رضاي بما أنا فيه، الأفات كلها من ذكر ما فات والأنوار كلها في ذكر الأوقات، قال تنزل الرحمة على الصوفية في ثلاث أوقات في وقت الطعام لأنهم لا يأكلون إلا عند الحاجة وعند مجاراة العلم لانهم لا يتكلمون إلا في احوال الصديقين وعند أوقات السماع لأنهم لا يسمعون إلا من حيث حالهم ولا يقومون إلا بوَجدهم، الصوفي هو الصافي من نفسه الممتلئ من رَبِهِ، عن ذات التصوف فقال إياك وإياك أخذ الظاهر ولا تسأل عن الذات، التصوف ترك الأوطان وهَجر الإخوان، لكل أمةٍ صفوةٍ وصفوة هذه الأمة الصوفية، سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) عن التصوف فقال الخلق والأدب وسُئِل أيضاً عن صفات الصوفي فقال بدن سيار وقلب جوال وعينٌ طيار وسُئِل عن أوصاف الصوفية فقال جازوا على قناطر الفتن حتى وقفوا على بساط المنن وخطبوا بلسان الكريم وتوجوا بتاج البهاء وقعدوا على بساط الصفا فنسوا الدنيا وما فيها، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر يعني التصوف، لآن علمنا مضبوط بالكتاب والسنة ثم قال كنا لا نعبأ بالصوفي إذا دخل التصوف بغير علم، إنما اليوم إن عقلتَ ضيفٌ نزل بك وهو مرتحل عنك، فان أحسنت نزله وقِراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك، وإن أسأت ضيافته ولم تحسن قراه شهد عليك فلا تبع اليوم ولا تعد له بغير ثمنه. واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت ءاتٍ وقد مات قبلك من مات، وقال أيضاً أي الشيخ جنيد البغدادي أصل مذهبنا ثلاثة أشياء السكون الى الله تعالى وقلة الغدا والهرب من الخلق وقال الشيخ الجنيد أيضاً أصل مذهبنا شيئان المراقبة في كل حالٍ والعلم على ظاهرهُ قائِمٌ وقال أيضاً مذهبنا مقيد بالأصول بالكتاب والسنة، اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك فإنه ليس لك من دنياك شئ، فلا تدخرن مالك ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجابُ أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كانوا كذلك". "اعلم يا ابن آدم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلِص عملك، وإذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة الا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء، ا ابن آدم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفئ, وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت، يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي الله ربك ومرتهن لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك محاسباً لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك.
وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من خالفت أشارته معاملته فهو كذاب مُدعٍ، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره أصل هذا المذهب الإيثار فإن لم يكن الإيثار فالمواساة فإن لم يكن المواساة والمعافات فمن فقد شيئاً من هذه الثلاثة لم يدخل حظيرة القوم وهو خارج، وقال الشيخ جنيد تنسموا روح ما دعاهم إليه، فأسرعوا إلى محو العلائق المشغلة، وهجموا بالنفوس على معانقة الحذر وتجرعوا مرارة المكابدة، وصدقوا الله في المعاملة، وأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه، وهانت عليهم المصائب، وعرفوا قدر ما يطلبون، وسجنوا همهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم، فحيوا حياة الأبد بالحي الذي لم يزل و لا يزال، وقال ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات، وقال عِلمُنا هذا مُشَبك بحديث رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم، وقال الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول، وسُئِل عن التصوف فقال: أن تكون مع الله بلا علاقة، وقال التصوف يميتك الحق عنك ويحييك به، وقال الصوفي كالأرض يطرح كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح، وقال أيضاً هو كالأرض يطؤها البر والفاجر، وكالسحاب يُظِل كل شيء، وكالقطر يسقي كل شيء، وقال الإيمان بطريقنا هذا ولاية، وقال إذا لقيت الفقير(أي المريد) فلا تبدأه بالعلم وأبدأه بالرفق، فإن العلم يوحشه والرفق يؤنسه.
وفي حال الصوفية:
قال جعفر الخلدي: سألت أبا القاسم الجنيد قدس سره، وقلت؟
أبين الإخلاص والصدق فرق؟ قال نعم: الصدق أصل وهو الأول، والإخلاص فرع وهو تابع، وقال بينهما فرق للان الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل ثم قال إنما هو إخلاص، ومخالصة الإخلاص، وخالصة كائنة في المخالصة، فعلى هذا الإخلاص حال الملامتي(وهم طائفة يقال أنهم في مقام أقل من الصوفي)، ومخالصة الإخلاص حال الصوفي، والخالصة الكائنة من المخالصة ثمرة مخالصة الإخلاص وهو فناء العبد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه، بل غيبية عن رؤية قيامه وهو الاستغراق في العين عن الأثار والتخلص عن لوث الاستتار وهو فقد حال الصوفي، ويقول في من أنتمى الى الصوفية وهو ليس منهم وقد ورد عن عبد القاهر بن عبد الله السهروردي عن ضياء الدين أبو نجيب السهروردي إجازة عن عمر بن أحمد عن أبي خلف عن السلمي، قال سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الشيخ جنيد البغدادي قدس سره يقول لرجل ذَكَرَ المَعرِفَةَ، فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون الى ترك الحركات من باب البر والتقوى إلى الله تعالى، فقال الشيخ جنيد: إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الإعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا، وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه يرجعون فيها، ولو بقيتُ ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة، إلا أن يحال بي دونها، وإنها لأكد في معرفتي وأقوى لحالي.
مصادر:
روضة المريدين-لأبي جعفر محمد بن الحسين بن أحمد بن يزدانيار.
عوارف المعارف-عبد القاهر بن عبد الله السهروردي.
جمع الأقوال في هذا المقال حقوقها محفوظ لصاحب المدونة.