فقد
ذكر الله تعالى في مواضع من القرآن الكريم قوله (فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥ) سورة المائدة أية 54، وقال سبحانه في موضع أخر(فَسَوْفَ
يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥ) سورة البقرة أية 169، آصل
المحبة الألفة وأصل البغض المخالفة وقال رويم المحبة الوفا مع الأصل وقال سيدنا
الشبلي المحبة نار تشتعل وخوف يرتحل ونورٌ ينتقل ، وقال أحمد بن عطا المحبة الغيرة
عند ذكره وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي إذا ذكر شيئاً دون حبيبه حُرم محبته وقال
أبو يزيد البسطامي المحب يرى استقلال الكثير من نفسه واستكثار الصغير من حبيبه
وقال أبو الحسين النوري المحبة معيار الله تظهر القريب والبعيد ومن أدعى المحبة
يشتغل بدون الحبيب فقد أشتهر كما قال أبو علي الروذباري في شعره:
وَحَقِكَ
لا نَظَرْتُ إلى سِواكا**بعينِ مودةٍ حتى أراكا
ألست
معذبي بجفون طرفٍ**وبالجد المورد من جناكا
وقال
سيدنا الشبلي المحبة أولها كالمزاح وآخرها ذا قاتلٌ تكدر العيش بعد نعيمها ويمر(من المُر) الحياة بعد حلاوتها، سُئِل ذو النون المصري عن المحبة فقال كشف النقاب وقطع العتاب
ورفع الحجاب، سُئِل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن العشق فقال قلب
خلا عن ذِكر الله فأذاقه الله طعم المخلوقين وقال أبو يعقوب السوسي قلوب إهل
الأهواء سجون البلاء فإذا أراد الله عزّ وجل أن يعذبّ البلا سجنه في قلوب أهل
الأهواء، سُئِل بعضهم عن المحبة فقال أفراط الرغبة وطلب الأوبه، والمحبة هي
الموافقة المحبة هي لذة تجري بين المحب والمحبوب المحبة محن بالحبيب وعلامة الصادق
في محبته ان لا يرى غير من يحبه ولا يذكر سواه ولا يشتغل بغيره، كما يقول الشاعر:
اروح
وقد ختمت عَلَيَ فؤادي**بحبك ان يحلّ به سواكا
فلواني
استطعتُ غمضتُ طرفي**فلم أّبّصر بهِ حتى اراكا
وقالت
شعوانة منذ عرفت الله تعالى ما اردت معه غيره جنة ولا ناراً ولا انَسَ قَلبي بسواه،
المحبة إذا غلبت على صاحبها يرى جميع الأشياء بصفة حبيبه وقيل محبوبه كما قيل عن
أبي يزيد البسطامي شعره:
أيها
السائِل عن قصتنا*لوترانا لم تفرق بيننا
أنا
من أهوى ومن أهوى أنا**نحن روحان حللنا بدنا
فاذا
أبصرتني أبصرته**وإذا أبصرته أبصرتنا
وبلغنا
أن زليخا امرأة العزيز لما شغفت بيوسف عليه السلام وشغفها حباً كانت تسمي الأشياء
كلها يوسف وكانت إذا أرادت الثياب أو الطعام أو الشراب كانت تقول يوسف يوسف
لِغَلَبَةْ شَغَفِها بيوسف عليه السلام، وحكي عن سيدنا موسى عليه السلام لما رجع
من طور سَيّناء كان من شدة شغفه بالطور يدور في بني إسرائيل فيقول طور سَيّناء طور
سَيّناء، ويسمى المحبة محبةً لا نها تمحوا من القلب كل شيءٍ إلا المحبوب وقال شروق
عين المحب ترضي النظر الى المحبوب وقال يحيى بن صعاد الرازي لو كانت العقوبة بيدي
يوم القيامة ما عذبت العشاق لإن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار سُئِلَ بعض
المشايخ عن المحبة فقال اشتهار القلوب بالثناء على المحبوب وإيثار طاعته والموافقة
له كما قال ذو النون في شعره:
لو
كان حبك صادقاً لَأَطَعْتُهُ***إنَ المُحِبَ لِمَن يُحِبُ مُطيع
المحبون
على ثلاثةِ أحوال الحالة الأولى محبة العامة يتولد من إحسان الله عليهم والدليل
عليه ما روي عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال جُبِلَتِ القلوب على
حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وحظوظها صفاء الود مع دوام الذِكر لإن سيدنا النبي
صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال من أحب شيئاً أكثر من ذِكره، والحالة الثانية من
المحبة يتولد من نظر القلب الى الله سبحانه وتعالى وهو حُب الصادقين وشرطها هتك
الأستار وكشف الأسرار ومحو الأرادات وأحراق جميع الصفات كما أنشد عبد السلام:
أي
مُحِبٌ فيكَ لم أحكهِ**وأي ليلٍ فيك لم أبكِهِ
إن
كان لا يرضيكَ إلا دمي** فقد أذِنا لَكَ في سَفْكِهِ
ما
شِئتَ فافعل غير ستر الهوى**بالله لا تحرص على هتكهِ
والحالة
الثالثة من المحبة يتولد من نظرهم ومعرفتهم تقدم حُبُّ اللهِ بلا علةٍ وهو محبة
الصادقين والعارفين وهو دليل عليه كما سُئِلَ ذوالنون المصري عن المحبةَ الصادِقةَ فقال سقوط المحبة عن القلب والجوارح حتى لا يكون فيها المحبة ويكون الأشياء للهِ
وَبِاللهِ فذلِكَ المحب لله تعالى وقال أبو يعقوب السوسي لا تصح المحبة حتى يخرج
من رؤية المحبة الى رؤية المحبوب بفنا علم المحبة وقال بعضهم من أحب أخاً يحب أن
يرى حفاه وفاءً وإِعراضَهُ إقبالاً ولا يسخط منه حالاً وقيل عن سيدنا الشبلي من
قتله حبيبهُ فديتُهُ رؤيَتُهُ ومن قتله شوقُهُ فديَتُهُ قُربُهُ، سُئِلَ أبو علي
الروذباري عن الفرق بين الهوى والمحبة فقال الهوى عند بدو المشاهدة والمحبة تناهي
المؤانسة والهوى يحلُ في القلب والمحبةُ يحل فيها القلبُ، يقول الشاعر:
وما
الناسُ إلاّ العاشقون ذوي الهوى**ولا خير فيمن لا يحبّ ويعشقُ
وقال
سيدنا الشبلي نار الشوق تذيبُ النفس ونار المحّبةِ تذيب الأرواحَ، وقال أبو عمر
الدمشقي المُحِبُ مُتَلَذِذٌ والعاشِقُ مُعَذَبُ.
وفي
قوله سبحانه وتعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ
ٱللَّهُ) سورة ال عمران أية 31، حيث أشترط الله سبحانه وتعالى حبه وأتباعه بحب سيدنا
الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم وأشترط الأتباع بالحب والحب بالأتباع فكيف
تتبع من لا تحبه وتحب من لا تتبعه بصدق فإذا لم تنزل عليك صفات المحبوب أي سيدي
رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم فكيف تدعي إتباعهُ وحبك لله سبحانه وتعالى
كما في قول سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره المَحَبَةُ نزول صفات المحبوب على
بدل من صفات المحب.