أورد هنا بعض ما
جمعته من أقوال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي والتي مرر بها خلال قراءتي لبعض الكتب
والمخطوطات القديمة التي تعتني بالتصوف وأهله وله قدس سره عدد من الرسائل طبع بعض
منها في العراق، عسى الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بعلمه وببركته قدس سره.
أصله:
هو أبو القاسم الجنيد
بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في
القرن الثالث الهجري، أصله نهاوند في همدان (مدينة اذرية)، ومولده ومنشؤه ببغداد
سنة 221هجري. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على
جميع الألسنة. صحب جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبة خاله سري السقطي، والحارث المحاسبي.
ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة. توفي يوم السبت سنة
297 هـ ببغداد.
سيرته:
قال: "كنت بين
يدي خالي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي:
"يا غلام؟ ما الشكر" قلت: "الشكر ألا تعصي الله بنعمه". فقال لي:
"أخشى أن يكون حظك من الله لسانك!" قال الجنيد: "فلا أزال أبكي على
هذه الكلمة التي قالها لي خالي السري".
وقال: "قال لي
خالي سري السقطي: "تكلم على الناس" وكان في قلبي حشمة من ذلك، فاني كنت أتهم
نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت ليلة في المنام، رسول الله -وكانت ليلة جمعة -فقال لي:
"تكلم على الناس". فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح، فدققت الباب، فقال:
"لم تصدقنا حتى قيل لك". فقعدت في غد للناس بالجامع، وأنتشر في الناس أني
قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: "أيها الشيخ! ما معنى قوله: (أتقوا
فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله) فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: "أسلم فقد حان
وقت إسلامك" فأسلم".
أساتذته: محمد بن إبراهيم البغدادي
البزاز أبو حمزة، بشر بن الحارث، خاله السري السقطي.
أصحابه: أبو بكر الشبلي، أبو محمد الجريري، وأبن الأعرابي أبو العباس أحمد بن محمد بن زياد، إسماعيل بن نجيد، علي بن بندار أبو الحسن الصيرفي، عبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي الأصل، أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي، من كبار
مشايخ الفرس وعلمائهم.
مؤلفاته: صدر كتاب "رسائل الجنيد "اول عمل يجمع
كلا رسائل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) واقواله المأثورة" عن دار اقرا،
بتحقيق الدكتور جمال رجب سيدبي وتصدير الدكتور عاطف العراقي، الطبعة الأولى، 2005.
قال المحقق الدكتور
جمال رجب سيدبي في مقدمة الكتاب بعد حديثه عن أسباب عدم نشر وتحقيق رسائل الجنيد
"لمثل هذين السببين اللذين اشرت اليهما آنفا ما دفعني إلى محاولة تحقيق المخطوطات،
والبحث عن النسخ للمقابلة، وأصبح مجمل هذه المخطوطات بعد التحقيق حوالي ستة عشر مخطوطا،
ولم اكتف بهذا وحسب، بل اضفت إلى هذا العمل كل ما تركه الامام من رسائل واقوال متناثرة
من مصادر التصوف الاصلية والقريبة العهد نسبيا بحياة الإمام الجنيد" وصل بذلك
عدد رسائل الجنيد إلى واحد وثلاثين رسالة وهي: كتاب القصد إلى الله، كتاب السر في انفاس
الصوفية، كتاب دواء الأرواح، كتاب دواء التفريط، كتاب ادب المفتقر إلى الله، الفرق
بين الإخلاص والصدق، كتاب الفناء، كتاب الميثاق، في الالوهية، كتاب الجنيد إلى عمرو
بن عثمان المكي تعالى، نسخة من كتاب الجنيد إلى ابي يعقوب يوسف بن الحسين الرازي رحمة
الله عليهما، رسالة ابي القاسم الجنيد إلى يوسف بن يحيى رحمة الله عليهما، رسالة ابي
القاسم الجنيد بن محمد إلى يحيى بن معاذ رحمة الله عليهما، رسالة ابي القاسم الجنيد
إلى بعض اخوانه، رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه، رسالة إلى بعض اخوانه، رسالة
إلى جعفر الخالدي، رسالة في المعرفة، رسالة الجنيد إلى ابي اسحاق المرستاني، رسالة
إلى بعض اخوانه، رسالة إلى بعض اخوانه، رسالة إلى بعض اخوانه، النظر الصحيح إلى الدنيا،
رأي الجنيد في الذكر الخفي، كتابه إلى ابي العباس الدينوري، عقبات الوصال، رسالة في
الايمان، صفة العاقل، رسالة في التوحيد، رسالة الجنيد إلى ابي بكر الكسائي، رسالة الجنيد
إلى علي بن سهل الأصبهاني.
لحظات وفاته:
وقال أبو محمد الجريري:
"كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته -وكان يوم جمعة-وهو يقرأ، فقلت: "أرفق
بنفسك" فقال: "ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي".
وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي
ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال:
"ما هذا يا أبا القاسم"، قال: "هذه نعم. الله أكبر". فلما فرغ
من صلاته قال له أبو محمد الجريري: "لو اضطجعت"، قال: "يا أبا محمد!
هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر". فلم يزل ذلك حاله حتى مات". وقال ابن عطاء:
"دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال:
"اعذرني فإني كنت في وردي"، ثم حول وجهه إلى القبلة ومات". وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزيه،
بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير
من الناس قدر عددهم بالآلاف.
أقواله:-
قال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي(قدس الله
سره) الفقير تحت البلاءِ وبلاؤهُ كلهُ عِلم، سمعت السري يقول كل فقير سكن الى سبب
وأستظل بظل أرباب الدنيا وأوى الى رفيق دون الحق فهو مشركٌ، وقال إياكم أن تبيعوا
أسركم برفق ومدح وتخالطوا غير أبناء الجنس وتتقربوا الى مترسمٍ برسم علمٍ فإني
أخافُ عليكم فساد الخواطر وظلمة الأسرار وطر الحق هذه وصيتي إليكم، لو علمت ان تحت
أديم السماء أشرف من علمنا هذا لقصدته وسعيت إليه وإلى أهله حتى أسمع منهم وأسألهم
وأجالسهم ولو علمت أن صلاة التطوع أفضل من الجلوس معهم ما جلست، وسُئِلَ سيدنا
الشيخ جنيد البغدادي قدس سره عن صفة الصوفية فقال رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُو اللَّهَ
عَلَيْهِ فقيل له كيف سيماهم قال لا يرتد إليهم طرفهم وأفئِدتهم هواء، وقد قيل
لسيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من طول صحبتك مع الخلق ما أفادك قال رضاي بما
أنا فيه، الأفات كلها من ذكر ما فات والأنوار كلها في ذكر الأوقات، قال تنزل
الرحمة على الصوفية في ثلاث أوقات في وقت الطعام لأنهم لا يأكلون إلا عند الحاجة
وعند مجاراة العلم لانهم لا يتكلمون إلا في احوال الصديقين وعند أوقات السماع
لأنهم لا يسمعون إلا من حيث حالهم ولا يقومون إلا بوَجدهم، الصوفي هو الصافي من
نفسه الممتلئ من رَبِهِ، عن ذات التصوف فقال إياك وإياك أخذ الظاهر ولا تسأل عن
الذات، التصوف ترك الأوطان وهَجر الإخوان، لكل أمةٍ صفوةٍ وصفوة هذه الأمة
الصوفية، سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) عن التصوف فقال الخلق والأدب
وسُئِل أيضاً عن صفات الصوفي فقال بدن سيار وقلب جوال وعينٌ طيار وسُئِل عن أوصاف
الصوفية فقال جازوا على قناطر الفتن حتى وقفوا على بساط المنن وخطبوا بلسان الكريم
وتوجوا بتاج البهاء وقعدوا على بساط الصفا فنسوا الدنيا وما فيها، وقال سيدنا
الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في
هذا الأمر يعني التصوف، لآن علمنا مضبوط بالكتاب والسنة ثم قال كنا لا نعبأ
بالصوفي إذا دخل التصوف بغير علم، إنما اليوم إن عقلتَ ضيفٌ نزل بك وهو مرتحل عنك،
فان أحسنت نزله وقِراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك، وإن أسأت ضيافته ولم تحسن
قراه شهد عليك فلا تبع اليوم ولا تعد له بغير ثمنه. واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن
الموت ءاتٍ وقد مات قبلك من مات، وقال أيضاً أي الشيخ جنيد البغدادي أصل مذهبنا ثلاثة أشياء السكون الى
الله تعالى وقلة الغدا والهرب من الخلق وقال الشيخ الجنيد أيضاً أصل مذهبنا شيئان
المراقبة في كل حالٍ والعلم على ظاهرهُ قائِمٌ وقال أيضاً مذهبنا مقيد بالأصول
بالكتاب والسنة، اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك فإنه ليس لك
من دنياك شئ، فلا تدخرن مالك ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لبعد
الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول
دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين
يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله،
وليزِدك إعجابُ أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كانوا كذلك".
"اعلم يا ابن آدم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا
تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلِص عملك، وإذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن
على ذلك، ولا حول ولا قوة الا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء
والبلاء، ا ابن آدم دينك
دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفئ, وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت،
يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي الله ربك ومرتهن لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك،
عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك
محاسباً لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك.
وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من
خالفت أشارته معاملته فهو كذاب مُدعٍ، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره أصل
هذا المذهب الإيثار فإن لم يكن الإيثار فالمواساة فإن لم يكن المواساة والمعافات
فمن فقد شيئاً من هذه الثلاثة لم يدخل حظيرة القوم وهو خارج، وقال الشيخ جنيد
تنسموا روح ما دعاهم إليه، فأسرعوا إلى محو العلائق المشغلة، وهجموا بالنفوس على
معانقة الحذر وتجرعوا مرارة المكابدة، وصدقوا الله في المعاملة، وأحسنوا الأدب
فيما توجهوا إليه، وهانت عليهم المصائب، وعرفوا قدر ما يطلبون، وسجنوا همهم عن
التلفت إلى مذكور سوى وليهم، فحيوا حياة الأبد بالحي الذي لم يزل و لا يزال، وقال
ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات
والمستحسنات، وقال عِلمُنا هذا مُشَبك بحديث رسول الله صل الله تعالى عليه وآله
وسلم، وقال الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول، وسُئِل عن التصوف فقال: أن تكون مع الله
بلا علاقة، وقال التصوف يميتك الحق عنك ويحييك به، وقال الصوفي كالأرض يطرح كل
قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح، وقال أيضاً هو كالأرض يطؤها البر والفاجر،
وكالسحاب يُظِل كل شيء، وكالقطر يسقي كل شيء، وقال الإيمان بطريقنا هذا ولاية،
وقال إذا لقيت الفقير(أي المريد) فلا تبدأه بالعلم وأبدأه بالرفق، فإن العلم يوحشه
والرفق يؤنسه.
وفي حال الصوفية:
قال جعفر الخلدي: سألت أبا القاسم الجنيد
قدس سره، وقلت؟
أبين الإخلاص والصدق فرق؟ قال نعم: الصدق
أصل وهو الأول، والإخلاص فرع وهو تابع، وقال بينهما فرق للان الإخلاص لا يكون إلا
بعد الدخول في العمل ثم قال إنما هو إخلاص، ومخالصة الإخلاص، وخالصة كائنة في
المخالصة، فعلى هذا الإخلاص حال الملامتي(وهم طائفة يقال أنهم في مقام أقل من
الصوفي)، ومخالصة الإخلاص حال الصوفي، والخالصة الكائنة من المخالصة ثمرة مخالصة
الإخلاص وهو فناء العبد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه، بل غيبية عن رؤية قيامه وهو
الاستغراق في العين عن الأثار والتخلص عن لوث الاستتار وهو فقد حال الصوفي، ويقول
في من أنتمى الى الصوفية وهو ليس منهم وقد ورد عن عبد القاهر بن عبد الله
السهروردي عن ضياء الدين أبو نجيب السهروردي إجازة عن عمر بن أحمد عن أبي خلف عن
السلمي، قال سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الشيخ
جنيد البغدادي قدس سره يقول لرجل ذَكَرَ المَعرِفَةَ، فقال الرجل: أهل المعرفة
بالله يصلون الى ترك الحركات من باب البر والتقوى إلى الله تعالى، فقال الشيخ
جنيد: إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الإعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني
أحسن حالاً من الذي يقول هذا، وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه
يرجعون فيها، ولو بقيتُ ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة، إلا أن يحال بي دونها،
وإنها لأكد في معرفتي وأقوى لحالي.
مصادر:
روضة المريدين-لأبي جعفر محمد بن الحسين بن أحمد بن يزدانيار.
عوارف المعارف-عبد القاهر بن عبد الله السهروردي.
جمع الأقوال في هذا المقال حقوقها محفوظ لصاحب المدونة.
جمع الأقوال في هذا المقال حقوقها محفوظ لصاحب المدونة.