الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

باب الثاني في أحكام الصوفية

ينبغي أن يكون الصوفي راضياً بالمقسوم ولا يعتقد على شيء معلوم فإن الجاه والعلم والصديق والجلوس في موضع واحد كله معلوم فيكون الفقر زينته والصبر جلبابه والرضا مطيته والتوكل شأنه والله تعالى وحده حسبه يستعمل جوارحه في الطاعات وقطع الشهوات والزهد في الدنيا والتورع عن جميع حظوظ الدنيا قال أبو سعيد الخزاز لكل إنسان سبب مع الله سبحانه وتعالى ما خلا الصوفية فأنهم متعلقون بمولاهم في جميع أحكامهم ومن أحكامهم انهم لا يجتمعون عن موعدة ولا يتفرقون عن مشورة و لا يجاوزهم قدمهم وحيث ما وقفت قدمهم كان منزلهم وحكم الصوفي ان يكون كل يوم في منزل ولا يموت إلا بين المنزلين ويعلم أن الله عز وجل يجري عليه تصاريف تدبيره وأحكام قدرته ويرجع في جميع الأشياء الى متوليها ويرى نفسه بين يدي الله سبحانه وتعالى كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء ويعلم أن الكل منه وله وبِهِ وإليهِ  ويصبر على حكمه ويرضى بقضائِهِ ويتوكل عليه في جميع أحواله قال الله عز وجل (إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍۢ ) سورة الزمر أية 10.

قال أبن عباس رضي الله عنه نزلت هذه الأية في الفقراء خاصة، وروي عن بعض الصوفية أنه قال من تعلق بما تحت العرش فليس بصوفي ومن أحكامهم أنهم أثروا الله على جميع الأسباب وقطعوا عن قلوبهم ما دونه واشتغلوا بذكره عن الأذكار وعبدوا الله بحقائق الأسرار، وقال أبو سعيد الخزاز حكم الفقير ان يكون له رغبة فإن كان ولابد فلا يجاوز رغبته كفايته، وقال ذو النون المصري الصوفية هم أثروا الله على كل شيء فأثرهم الله على كل شيء، وقال علي بن سهل الأصفهاني حرام على من سمي أصحابنا فقراء لانهم أغنى أغنياء خلق الله تعالى، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي(قدس الله سره) الفقير تحت البلاءِ وبلاؤهُ كلهُ عِلم، وقال إبراهيم الخواص ليس من آداب الفقير أن يكون له سبب يرتجع إليهِ متى أحتاج أو شيء يعمل به إذا رأى أو لسان يطلب بِهِ إذا جاع أو همه يطرق بها عند الشدائد الى الناس، وقال أبو عبد الله التقي سافرت ثلثين سنة ما خيطت خرقةً على مرقعتي قط ولا عدت الى موضع عملت فيه رفقاء ولا توكلت أحداً يحمل معي شيئاً، ومن أحكامهم ما قال أبو عبد الله الصبحي لا يصح الفقر للفقير حتى يخرج من الأملاك كلها فإذا خرج من الأملاك يبذل جاهه حتى لا يبقى جاهٌ فإذا بذل جاههُ يبقى عليهِ قوة نفسه فيبذلها أو يذلها أيضاً لأصحابه بالخدمة والحركة في أسبابهم فعند ذلك يصبح له الفقر وتصحيح ذلك ما حكي أن شاه بن شجاع الكرماني مع كبر سنهِ وعلمِهِ وفَضِهِ كان يقوم بخدمة أصحابه ويقول نظرتُ في جميع الأعمال فلم أجد فيها شيئاً أشدُ وأرجأ من خدمة أمرئٍ مُسلم، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي(قدس سره) سمعت السري يقول كل فقير سكن الى سبب وأستظل بظل أرباب الدنيا وأوى الى رفيق دون الحق فهو مشركٌ، وقال إياكم أن تبيعوا أسركم برفق ومدح وتخالطوا غير أبناء الجنس وتتقربوا الى مترسمٍ برسم علمٍ فإني أخافُ عليكم فساد الخواطر وظلمة الأسرار وطر الحق هذه وصيتي إليكم، ومن أدابهم ما حكي عن بعض المشايخ أنه قال الفقير هو الذي حبس نفسه في خدمة الله على شاهد عناية الله لا يرى في حركاته حركاتٍ بل يرى ما سبق له من الهداية مراث العناية ما أورثه كثرة المشاهدة فلِقلبه المراقبة ولنفسهِ الهداية وللسانه الرواية، وقال نديم أبن أحمد عليك بالرياضة للنفس في المكروهات وفراغ القلب من حب الشهوات والقيام على القلب بحفظ الخطرات، وقال أبو عبد الله النباحي من خطرت الدنيا له بغير القيام بأمر الله حجب عن الله سبحانه وتعالى، وقال أبو عبد الله أبن حفيف الفقير إذا أستحكم ثلثه أصولٍ فما فاته من الأحوال لايبالي به الصبر عند العدم والإثار إذا وجد السكون عِندَما يرد عليه من المحن وإذا أريت الفقير يختلف الى الأغنياء ويميل أو يصل الى أبناء الدنيا فاعلم أنه خارج عن أحكام الفقر ولا يكون الفقيرُ مستحقاً لاسم الفقر حتى يكون مفتقراً الى الله مستغنياً بالله عمن سواه قد جاد بالكونين عوضاً ومن أحكامهم أن لا يسأل ولا يعارض ولا يرهن ولا يطلب ولا يصلي صلاتين في موضع ولا يكون فقيراً حتى يكون من غير الله حراً لإن الفقر مبني على التجريد فمن كان معه شيءٌ من الدنيا فهو خارج من أحكام الفقراء لإن الفقير الصادق  لا يكون له إرادة غير اللهِ ولا يرى مع الله ِ سوى اللهَ لإن أدب الفقير مع الله أن لا يخطر بقلبهِ سواهُ ومع الخلق يعطيهم مالهم عليه ولا يطالبهم بما له عليهم.
scrip