الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

في نعت الصوفية

روى أبو هريرة أن النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال من أراد ان يجلس مع اهل الله فليجلس مع أهل الحقيقة، وقال يوسف بن حسين الرازي لكل أمةٍ صفوة هم ودائع الله عز وجل الذي أخفاهم في خلقهِ فان يكن منهم في هذه الأمة فهم الصوفية، وقال أبراهيم بن شيبان سمعت أبا عبد الله المغربي يقول خلق الله هذه الطائفة يعني الصوفية من قبل الأمم بمائتي ألف سنة وكلمهم بلا حجاب وأعطاهم المعرفة ثم خلق بعد ذلك الخلق وهو قوله تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ) أية -172171 سورة الصافات، وروى أبو بردة الأسلمي أن رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال(رأيت قوماً من أمتي ما خلقوا بعد سيكون سيكون فيما بعد اليوم أحبهم ويحبوني ويتناصحون ويتباذلون ويمشون بنور الله في الناس رويداً في خفية وتقية  يسلمون من الناس ويسلم الناس منهم بصبرهم وحِلمِهِم وقلوبُهُم  بِذِكر الله واجفة ومساجدهم بصلواتهم عامرة يرحمون صغيرهم ويبجلون كبيرهم فقال رجل يا رسول الله صل الله عليك وفي ذلك يرفقون برفيقهم فقال رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم كلا إنهم لا رفيق لهم خلا أنفسهم هم أكرم على الله من أن يوسع عليهم لهوان الدنيا على ربها ولكرامتهم عليه ثم قرأ سيدنا رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم (وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًۭا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمًۭا) أية 63 سورة الفرقان، حتى ختم السورة ثم قرأ صل الله تعالى عليه وآله وسلم (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَءَامِنُوا۟ بِرَسُولِهِۦ)أية 28 سورة الحديد الى أخر السورة، قال الشيخ صفات الصوفية مشروحة من قول سيدنا رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم لإن الفقير والمسكنة والبذل والنصيحة والمشي بنور الله في خفية وتقية وطلب السلامة من الناس والصبر والحلم ووجف القلوب عند الذكر وعمارة المساجد بالصلوات ورحمة الصغير وجلالة الكبير كل ذلك من أثار المتصوفة، وروي أن سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم نظر الى أصحاب الصفة فقال المحيا محياكم والمماتُ مماتكم ونظر إليهم ثانياً فقال أبشروا صعاليك المهاجرين بالفوز الدائم والنور التام، وقال أبو الحسن النوري نعت الفقير شيئان السكون عند العدم والإيثار عند الوجود ، وقال أبو العباس أبن عطا فضلت هذه الطائفة على جميع الناس بالاستسلام، وحكي عن ربيع أبن سليمان المرادي أنه قال كنا عند محمد بن أدريس الشافعي رضي الله تعالى عنهُ إذ مر بنا طائفة من الصوفية فرمقناهم بأبصارنا وأشغلت قلوبنا بهم فقال الشافعي ما شأنكم فقلنا هؤلاءِ القوم أجتازوا بنا هجروا الصنائع وأثروا الجلوس عن الكسب فقال الشافعي والذي فلق الجنة وبرأ النسمةَ ما على وجه الأرض في هذه الساعة قوم أكرم على الله منهم قال الربيع فاستعظمنا ذلك منهُ فقال استعظمتم ذلك مني قلنا نعم فقال إن الله عز وجل خط علينا مائةَ حلة فركبنا نحن حلة واحدةً وركب هؤلاء تسعة وتسعين، وقال الحكيم القاضي والله ما صبرنا من الناس إلا بمجالسة الصوفية  وما تعلمنا الأدب إلا منهم وإني لمتأسف على ما يفوتني منهم، وقال كان أبو زرعة الرازي الإمام الكبير في دعوة يقول فقام ومازال يتواجد الى أن ذهب من الليل شطره، حكي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عنه قال جاء رجل الى أبي فقال له يا أبا عبد الله هؤلاء الصوفية قعدوا في المساجد بلا علم فقال يا أبن أخي علمهم أجلسهم في المسجد فقال وإذا بأحدهم كسرةً  يأكلها فقال يا أبن أخي ما أحسن حال قومٍ رضوا من الدنيا بكسرةٍ قال فإنهم يسمعون ويرقصون فقال يا أبن أخي هؤلاء قوم فرحوا بالله ساعةً قال فيهم يغشى عليه وفيهم من يموت فقال آه وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون،  حكي عن جعفر الخلدي قال سمعت سيدنا الشيخ جنيد البغدادي (قدس سره) يقول لو علمت ان تحت أديم السماء أشرف من علمنا هذا لقصدته وسعيت إليه وإلى أهله حتى أسمع منهم وأسألهم وأجالسهم ولو علمت أن صلاة التطوع أفضل من الجلوس معهم ما جلست، حكي عن سيدنا الأمام جعفر الصادق عليه السلام كان قاعداً وعن يمينه فقير وعن شماله فقير فجاء بعض الأغنياء فأقعده بين يديه فعاتبه في ذلك فقال يا هذا هؤلاء وفاد الله ولا عيب على الرعية أن يقعد بين يدي سلطانها، وقال الفضيل بن عياض عليكم بحب الفقراء والمساكين فإن لهم غداً دولة، حكي أن أبا تراب الخشبي قال لما دخلت البادية فرأيت شاباً يمشي بلا زاد ولا ماء فقلت في نفسي صدق من قال أن الصوفية جهال فما استتمت خاطري حتى قال يا أبا تراب اتقي  الله والله يعلم ما في أنفسكم فأحذروه فالمتصوفة هم أكرم خلق الله وطرقهم أعذب الطرق وأحوالهم أجل الأحوال لإن التصوف دين وديانة الفقير وصيانةٌ وزهدٌ ورعايةٌ وشغل الباطن بالمراقبات وحكم الظاهر بالعبادات وأدل آية في كتاب الله عز وجل على مذهب الصوفية قوله تعالى(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُوا۟ مِن دِيَـٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌۭ مِّنْهُمْ ۖ) أية 74 سورة النساء، منهم أهل التصوف الذين خرجوا من الأوطان واختاروا الغربة وبذلوا النفوس بالرياضات اختيارا لرضا الله سبحانه وتعالى ثم قلوب المتصوفة سامحة حية عطية سريعة السماع حديدة الإفهام فلا هي ثقيلة السمع ولا هي بطيئة الإجابة لأنها قلوبٌ بالمعرفة بالغة وبالسر لاحقة وعند سماع ذكر الله والهمة فوصفهم الله تعالى في كتابه بقوله إذا ذكر الله وجلت قلوبهم (ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ ) الى آخر الآية 38 سورة الحج، فلأهل التصوف غرف من القلب يطوفون منها الى الأخرى ويطالعون منها الى أسباب الغيب بنور الإيمان وهي هداية من الله تعالى ذلك حديث حارثة إذ يقول له النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك يا حارثة فأجابه وقال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأضمات نهاري وكان بعرش ربي بارزاً وكأني أنظر الى أهل الجنة في الجنة يتزاورون والى أهل النار في النار يتعاوون فقال له النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم  عرفت فالزم مرتين أحوالهم  وأدباهم طلب السلامة اختاروا المذلة والمسكنة وقلة النوم والإخلال بالدنيا والزهد فيها وبعض دواعيها ورعاية الكرم بتركها والاستغناء بالله سبحانه وتعالى ورعاية الفقر والسخاء والكرم والغربة والحياء والبشاشة وكثرة العبادة ومحاسبة النفس وحفظ الجوارح لا يذكرون سواه ولا يخافون إلا مولاهم فينبغي للفقير أن يكون كاتماً للضر ناهجاً بالذكر الصحيح العقد حافظاً للعهد جليس الحسرات خالياً عن الشهوات صبره بغير جزع وورعه بغير طمع عيشه قناعة وجوعه صناعة إن منع صبر وإن أعطي آثر لا يعرف الراحة ولا يؤمل الاستراحة هاجراً للراحة والمنام مفارقا لأخلاق الليام إن طرد لم يبرح وإن أعطى  لم يفرح كثير الصيام قليل المنام اشتغاله مطالبة النفس بالتصحيح وخرس اللسان عن الكلام الفصيح قد لبس الرضا فسكن تحت مر القضا أكله أكل المرضا  وشربه شرب العرقا دموعه غزيرةٌ وأوجاعه كثيرَةٌ، سُئيل مالك بن دينار عن مسألة الصوفي فقال لا أتكلمُّ فيها فأنها مسألة تخرج من بين الحرق والقمل وإني لأستحي من الله تعالى أن أتكلم فيها.
مخطوطة فضائل المريدين

scrip