الصوفي لا يكون
صوفياً حتى يعامل الله بست خصال فقد المعلوم الذي ألفته النفوس والثانية الصبر
والأياس من جميع الأشياء إلا من الله تعالى والثالثة كتمان السراير حتى لا يشكو
الى المخلوق الى الخالق والرابعة ترك المسألة كي لا يهرب الى أحد من باب الخالق عز
وجل والخامسة أن يظهر الغنى في الفقر والسادسة أن يعمل لله ولا يرى أنه يعمل شيئاً
والفقراء على ثلاثة أضرب فقير النفس وفقير الشيء وفقير الحق فأما فقير النفس فهو
كما قال النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم( كاد الفقران يكون كفراً) وفقير الشيء
بالأحوجاج والاستعداد له لقوله عليه الصلاة والسلام (تعس عبد الدرهم) وهذان
الصفتان حلهما مذموم في الدنيا والأخرة وفقير الحق ما وصفه الله عز وجل في كتابه
بقوله(وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ)أية 52 سورة الأنعام، زهدوا في
جميع الأسباب الدنيوية وصاروا ملوكاً في الدنيا والأخرة كما روى أبو هريرة أن
سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم}
إن ملوك الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى
اللَّهِ لأَبَرَّهُ قَسَمَهُ، مِنْهُمُ : الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ . وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهُمُ
الْبَرَاءُ ولَهُ شَاهِدٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
{وحكي عن أبراهيم
بن أدهم مساكين ملوك أهل الدنيا لو علموا ما نحن فيه لقاتلونا عليه وكيف لا يستحون
أسم الملوكية وليس لهم همة غير الله في الدنيا والأخرة ولقد أنشدني في صفتي شرفهم
لمحمد بن علي المرشدي شعراً:
ملوك الأرض أرباب
الرعايا*ونحن عبيد خلاق البـرايـا
إذا رفعوا قدوداً
كالعوالي*ركعنا في قدودٍ كالحنــــــــايـا
وإن قعدوا على
تختٍ بِكُبرٍ*قعدنا بالخضوع على الثرايا
وإن فخروا بديباجٍ
وخزٍ*فخرنا بالمسوحِ وبالعبـــــــــايا
قنعنا بالكُسَيْرة
من شعيرٍ*وقد طمعوا الحلاوة والقـــلايا
وأنا في الثرى وهم
سواءٌ*إذا نزلت بِنا رُسُلُ المـــــــنايا
قال سيدنا الرسول
صل الله تعالى عليه وآله وسلم (ملوك الجنة من أمتي القانع برزق يوم بيوم) الفقير يحب
أن يكون فقره بعلمٍ فإذا كان فقره بعلمٍ وزنهُ ذلك السكون فيه وقلة الجزع منه
والرضا بما يبدوا فيه من المكاره والانكسار في نفسه وقلة الدعاوي به وإذا كان فقره
بغير علمٍ لم يتأدب بآدابه ثم يفتخر بهِ ويدعي فيه الدعاوي الباطلة فيكون مذموماً
بالفقر والفقراء ثلاثة فقير راضي وفقير صابر وفقير طامع فأما الفقير الراضي فهو في
عيش ونعيم مع الله في الدنيا والأخرة والفقير الصابر فهو في جهدٍ واجتهاد وهو ناجِ
والفقير الطامع فهو ذليلٌ في الدنيا
والأخرة والفقراء على ثلاثة أوجهٍ فمنهم من لا يملك شيئاً ولا يطلب لا بظاهره ولا بباطنه
و لا ينتظر من أحدٍ شيئاً وإن أعطى لم يأخذ شيئاً ومنهم من لا يملك شيئاً ولا يسأل
شيئاً ولا يسألُ أحداً ولا يطلب وإن أعطي شيئاً من غير طلبٍ أخذه ومنهم من لا يملك
شيئاً وإن أحتاج أنبسط الى بعض إخوانه ممن يعلم أنهم يفرحون انبساطه اليهم وكان انبساطه
عليهم صدقةً قال ذو النون المصري يجب أن يكون للفقير ثلاثة أحوالٍ اليهم لا يكون
له شيء في شيء ولا يكون لشيءٍ فيه شيء ويكون له في كل شيءٍ شيءٌ وسُئِلَ سيدنا
الشيخ جنيد البغدادي قدس سره عن صفة الصوفية فقال (رِجَالٌۭ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ) فقيل له كيف
سيماهم قال لا يرتد إليهم طرفهم وأفئِدتهم هواء وقال أبو بكر الكتاني ما شيءٌ أشدُ على الفقير من رجوعه الى التأويل وسُئِلَ
أبو عبد الله الجَلاَ متى يستحق للفقير أسمُ الفقير قال إذا لم يبقى عليهِ من
نفسِهِ مطالبةً طاهِراً باطِناً ولا يكون الفقير فقيراً حتى يشبع من ثلاثةٍ من
المال ومن الجاه ومن الناس، الفرغاني يقول الفقير من كان مفتقراً الى الحقّ وإن
كانت له أسبابٌ، وقال بعضهم لو كان فضل الفقير في الفقر لكان كل فقير فاضلاً لكن
فضل الفقير في اختيار الفقر يخاف على نعاله كما يخاف الغني على زوال الغنى، وقال
الأنطاكي بسير الفقر يخرج كل الشكر من القلب وبسير الشكر يخرج اليقين كلهُ من
القلب، وقال إبراهيم القصار الفقر لباس الرضا إذا تحقق فيه، وقال شقيق البلخي أختار
الفقراء ثلاثة أشياء والأغنياء ثلاثة أشياء فأما الفقراء اختاروا راحة النفوس
وفراغ القلب وخفة الحساب وأما الأغنياء فإنهم اختاروا تعب النفوس وشغل القلب وشدة الحساب،
وقد قيل لسيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره من طول صحبتك مع الخلق ما أفادك قال
رضاي بما أنا فيه.