المريد على وجهين
مريد بالله ومريد بأمر الله فمعنى مريد بالله هو الخروج عن حد الكونين وعن حد نفسه
في الوقوف مع الله عز وجل بلا علاقةٍ ولا سبب وأما المريد بأمر الله فهو القائم مع
العلم والوفاء لقوله عز وجل (ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ
ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَـٰقَ) أية 20 سورة الرعد.
سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره: متى تصح إرادة المريد فقال إذا
ازال الله وسواس قلبه يهيج، وقال أبو عثمان النيسابوري مَن لم تصح ارادته في الابتداء
لا يزيده مرور الأيام عليه إلا أدباراً، قال أبو عبد الرحمن بن حفص
السقا دخلت على أبي عبد الله الصاحي بأصبهان لأسأله عن مسألة وكنت حدثاً فلما
سألته قال أمض وصم النهار وقم الليل عشر سنين ولا تسألنا عن مسألةٍ فإنك إذا
أتيتنا بعد عشر سنين قلنا لك أنك لا شيء وإلا فلا شيء، وقال بعض المشايخ حال
المريدين نهارهم صيامٌ وليلهم قيام وظهورهم ركوع وجباههم سُجود وأعينهم دموعٌ،
وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره سمعت السري السقطي قدس سره يقول إن أدنى
المنازل أحوال المريد مع الله إجابة الله فيما يريد فإذا وافق الله عبداً جعل
نهاية ارادته ببداية التصوف، سُئِل أبو الحسين بماذا يستضئ للمريد بصيرته فقال بغض
البصر عن المحارم وترك الشهوات أجمع، سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره
ماذا يطلب المريد من العلوم فقال الحكايات قيل وما فائدتها قال يقوي قيل ألهذا
أصلٌ في كتاب الله تعالى قال نعم قال الله عز وجل (وَكُلًّۭا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ
فُؤَادَكَ ۚ)أية 120 سورة هود، وقال سيدنا الجنيد قدس سره َإذا رأيت المريد يحب
السماع فأعلم أن فيه بقيةٌ من البطالة، وقال يوسف أبن الحسين
إذا رأيت المريد يشتغل بالرقص فليس يجيء منه شيء، سُئِل سيدنا الشيخ الحسن البصري
قدس سره عن المريد فقال يده ركوتهُ وذراعهُ مخدته فإن طلب فالربُ ضمانتهُ.
أحكام المريدين
وأدابهم:
قال سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم ما
مِنْ شابٍ أكرم شيخاً لكبر سنهِ إلا قيضَ الله له من يكرمه عند كبر سنهِ(الراوي: أنس بن مالك المحدث:السيوطي - المصدر:
الجامع الصغير الصفحة
أو الرقم: 7831خلاصة حكم
المحدث: حسن) ،
إن المريد إذا حصلت له منزلة الإرادة صلح لخدمة الشيخ، وقال أبو بكر الكتاني من
حكم المريد أن يكون فيه ثلاثة أشياء نومه غلبة واكله فاقة وكلامه ضرورةً، والأصل
لذي هو أساس المريد من عليه خمسة أشياء ترك رؤية الخلق ورفض الدنيا وكف الأذى واحتمال
البلوى والإناخةُ بِباب المولى عز وجل، ومن احكامهم ما قال سيدنا الشيخ الشبلي قدس
سره من لا يراعي أسراره مع الحق لا يكاشف عن غير الحقيقة أبداً، حكي عن أبي بكر بن
جارح الأصفهاني انه قال ما قصدني مريد بالصدق إلا رجعت الى بدايتي في العبادة
والخدمة حتى يأخذ مني ذلك، وروي سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم أنه
قال من أخلص من أمتي لله العبادة أربعين صباحاً نور الله قلبهُ وشرح صدره وأطلق
لسانه بالحكمة ولو كان أعجمياً، قال أبو يعقوب السوسي محمد بن علي الكتاني دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء امرهِ
فأخذنا من مرقعته قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانقٍ من كثرة الرياضةِ وشدة
مجاهدَتِهِ، وقال سهل بن عبد الله آلة الفقير حفظ سره وأداء فرضه وصيانةُ فقرهِ، وقال
أداب المريدين ترك الملامة والتعيير لمن أبتلي بطلب الدُنيا، ومن أداب المريدين ما
حكي عن ممشاد أنه قال م دخلت قط على شيخ من المشايخ إلا وأنا خلٍ عن جميع ما لي
أنتظر بركاته ما يرد علي من رويته أو كلامه فإن دخلتُ على شيخ بحظٍ انقطع عنه
بركات رويتي ومجالستي، وقال أيضاً رأيت في بعض أصفاري شيخاً فقلت له يا سيدي كلمة
تزودني بها فقال حفظ همتك فإن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت همته وصدق فيها صلح له
ما ورائها من الأعمال والأحوال، وقال أيضاً المريد في الألتزام حرمة المشايخ وخدمة
الإخوان والخروج عن الأسباب وحفظ آداب الشرع على نفسهِ، وقال أبو عثمان النيسابوري
صحبتُ أبا حفص النيسابوي وأنا شابٌ فطردني مرَةً فقال لي لا تجلس عندي فقمت من
عنده ولم أولِ ظهري إليهِ وانصرفتُ أمشي الى وراءِ ووجهي إليهِ حتى غِبتُ عنهُ
وجعلت في نفسي أن أحفر على بابهِ حفرَةً وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره فلما
رأى ذلك مني دناني وقربني وجعلني من خواص
أصحابهِ، وقال محمد بن أحمد المقري دخلتُ على عبد الله الخزاز مع أبي العباس
المروي فسأله أبو العباس عن مسألةٍ فبكى عبد الله الخزاز وقال كان المريدون قبل
هذا يجتهِدون في الجوع والعري والأسفار وقال كان المريدون بعد ذلك سألون المشايخ
وهذا الفتى يسألُ من ابتداء أرادته ذهب واللهِ آداب المريدين، ومن آداب المريدين
أن يبدأ بتأديب نفسه فإذا فرغ منها لتشتغل بتأديب غيره ومتى تفرغ العبد من تأديب
نفسه ونفسه محل الآفات والبلياتِ وهي الأمارة بالسوءِ سُئِل أبو حفص النيسابوري عن
آداب المريدين فقال حرمات المشايخ وحسن العشرة مع الإخوان والنصيحة للأصاغر وقبول
النصيحة من الأكابر وترك الخصومةِ مع الرفقاء وملازمة الإيثار ومجانبة الأغيار،
ومن آدابهم ما قال سيدنا الشيخ سري السقطي قدس سره أربع خصالٍ ترفع العبد العلم
والأدب والفقهُ والأمانة وقال أيضاً من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله، ومن
آداب المريدين حفظ جوارحهم كلها كما قال سهل بن عبد الله ما من عبدٍ حفظ جوارحه
إلا حفظ الله عليهِ قلبه ومن حفظ اللهُ عليهِ قلبهُ جعله أميناً وما من عبدٍ جعله
الله أميناً إلا جعله إماماً يقتدى بهِ وما من عبدٍ جعله الله إماماً إلا جعله حُجّةً
على خلقهِ، وقال شيخنا السري السقطي قدس سره من أخلاق المريدين أن لا يمشي خطوة
لنفسهِ فيها لذةً ولا إرادةً ولا شهوةً ويكون خارجاً من سلطان الهوى آيساً مما في
ايدي الناس لا يقرب يده لبطنه وفرجهِ فيقتدي بمن فوقه ويزهد في الناسِ والشهوة
والرياسة والثناء عليهِ.