‏إظهار الرسائل ذات التسميات روضة المريدين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات روضة المريدين. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 23 فبراير 2014

التوكل


التوكل:
التوكل ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز القرآن الكريم قوله في الأية رقم (3) سورة الطلاق (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ) أي حسبه الله من جميع خلقهِ وقال جَلَ وعَلا في الأية  رقم (12) سورة إبراهيم (وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ) وقال سبحانه وتعالى  لسيدنا محمد صل الله تعالى عليه وآله وسلم في سورة آل عمران أية (159) (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ) وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم (لو توكلتم على الله حق توكله لرزكم كما يرزق الطير تغدوا خِماصاً وتروح بطاناً)1، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الله تعالى حسب من توكل وحسب من لم يتوكل يعني الله تعالى كافٍ للخلق جَهِلوا أم عَلِموا لأنه خالقهم ولا يمكن كفايتهم إلا هو، وروي عن سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم (من ضمِنَ لي خِصلة أضمن له الجنة فقال ثوبان أنا يا رسول الله فقال لا تسأل الناس شيئاً) فكان إذا سقط السوط من يدهِ لا يُكلف أحداً أن يناوله، وكانت السيدة عائِشة رضي الله تعالى عنها  تعاهدوا ثوبان والامات هزلاً، وقال سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم (من توكل على الله عز وجل وقنع كفي الطلب)، وقال سيدنا الشيخ الحسن البصري قدس سره من توكل ورضي وقنع أتاهُ الشيْ بلا طلبٍ، وقال علي بن عبد الرحمن القناد دخلت قرقيسيا سنة 315 فرأيت بها شيخاً يُعرف بأبي الأزهر له أربع مائة من التلاميذ وكلهم يقولون بالتوكل وترك الكسب وحكي أن الله تعالى أوحى الى عيسى عليه السلام توكل علي أكفِك ولا تتولى غيري فأخذلك، قيل من أستغني بالله تعالى أكتفي ومن أنقطع إلى غير الله تعالى تَعَنا، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره  لا تهتم لرزقك الذي قد كفيته وأعمل عملك الذي قدرته فان ذلك من عمل الكرام والفتيان، وقال سفيان بن عينية قيل لآبي حازم ما مَالَكْ فقال لي مالان الثقة بالله تعالى و الإياس مما في أيدي الناس وكان سيدنا الشيخ الحسن البصري قدس سره يقول من أتكل الى حسن الاختيار من الله تعالى فالواجب عليه أنه لا يتمني انه في غير حاله الذي اختاره الله تعالى له، ويقال أطول الناس غماً أسوأهم بالأرزاق ظناً، وقال سهل بن عبد الله من أهتم للخبز فليس له عند الله تعالى قدر، قيل لأبي عثمان من أين تأكل فقال إن كنت مؤمناً فانت مستغنيٍ عن هذا السؤال وإن كنت جاحداً فلا خطاب معك ثم تلى الأية (وَمَا مِن دَآبَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا) سورة هود أية رقم 6، وقال أبو يزيد البسطامي يقول الله تعالى من أتاني منقطعاً إليَ جعلت إرادتي في أرادته وجعلت له حياةً لا موت فيها.

 صفة التوكل:

امر الله تعالى عز وجل بالتوكل وجعله مقروناً بالأيمان لقوله سبحانه وتعالى (وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا۟ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) أية رقم (23) سورة المائِدة، فجعل التوكل عليه حقيقة الأيمان فالتوكل حبل الله تعالى في الأرض يقوي به قلوب المؤمنين والجوع طعام الله تعالى في الأرض يشبع به قلوب الصديقين والحرص راية الله تعالى في الأرض يضعها في قلوب الراغبين، وقال سهل بن عبد الله أول مقام التوكل ان يكون العبد بين يدي الله عز وجل كالمّيت بين يدي الغاسل يقلبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب إنما سكون القلب الى ما وعد الله تعالى، سُئِل ذو النون المصري عن التوكل فقال خلع الأرباب وقطع الأسباب وقال رويم التوكل أسقاط رؤية الوسائط والتعلق باعلا الوثائق والتوكل اعتماد جواهر القلوب على الله سبحانه وتعالى بأن له الأطماع عما سواهُ ويقال ذاتية التوكل انتظار السبب من المسبب من غير رؤية السبب بلا اهتمام ولا كرب ولا حزنٍ ولا طَرَبٍ وقال إبراهيم بن أدهم التوكل ان يستوي عندك افخاذ السبع والمتكأ على الحشايا وقال الدقائق التوكل رد العيش الى يوم واحدٍ وأسقاط هم غدٍ وقال رويم التوكل الثقة بالوعد وقال أبو عثمان التوكل غض البصر عن الدنيا وقطع القلب عنها وقال أبراهيم الخواص سيد المتوكلين التوكل هو اعتقاد القلب على أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المالك للأشياء المعطي المانع الضار النافع القابض  الباسط لا معجل لما أخر ولا مؤخر لما عجل وان العبد بحركته لا يزداد في رزقه لان الله تعالى قد قسم الأرزاق وفرغ منها وتول القيام بها دون الخلق فشيء من الرزق يأتي بالطلب وشيء يأتي بغير طلبٍ فمن يكن من أهل المعرفة يستحي من الله تعالى ان يتوكل عليه ليكفيه ام رزقه خاصة لان الكفاية من الله تعالى قائمة للخلق فهو يستحي منه ان يبدي شيئاً قد تولى الله تعالى كفايته مثل الموت وروعته والسكون عند نزوله ووحشة القبر وانفراده فيه ولقاء المنكر ونكير والبعث والنشور وطول القيام والوقوف في القيامة وشدة الحر في يوم طويلٍ فاعمل في هذا التوكل اذا احكمت التوكل عليه فهذا التوكل قد غفل عنهُ كثير من المتوكلين وقال بن مسروق من ترك التدبير عاش في راحة التوكل هو ان يكون العبد كالطفل الصغير في حجر امه تقلبه كيف شاءت بأحسن التدبير وقال أبراهيم الخواص في كتاب  التوكل: التوكل هو ان لا يركن القلب الى مالٍ ولا تجارة ولا سببٍ ولا مخلوق ولا يركن القلب الا الى الله تعالى حتى يجد في المنع من حلاوة مثل ما يجد في العطايا هو سكون القلب الى ما في الغيب مما قسمه الله تعالى وغيبه ُ واخفاه الى موافقته فيكون سكون الى ما في الغيب كسكونه الى ما في اليد يحدث عليه الحوادث وما عند الله هو الباقي يأتي به في أوقاته فاذا بلغ القلب ذلك كان قوياً عند زوال الدنيا واقبالها وعند المنع والعطايا وقيل الرزق ثلاثة رزق العام من الحركة ورزق الخاص من القسمة ورزق خاص الخاص من عين القدرة وقال محمد بن كرام حسبك من التوكل لا تطلب لنفسك ناصراً غيرهُ و لا لرزقك خازناً غَيرهُ ولا لعملك شاهداً غيرهُ وحكي ان أبراهيم بن شيبان سُئِل عن التوكل في ذاته ما هوَ فقال هو سِرٌ بين الله تعالى وبين العبد فالواجب عليه ان لا يطلع على سرهِ غير الله تعالى قال يحيى بن معاذ الرازي التوكل درجاتٍ أولها ترك الشكاية والثاني الرضا بالمقسوم والثالث المحبة فأولها للصالحين والثاني للأبرار والثالث للأنبياء وسُئِلَ سيدنا الشبلي قدس سره عن التوكل في وقت الحضور ثم أنشد وجعل يقول:
كم حاجةٍ لي إليكَ أسترُها**أخافُ عِندَ التلاقي أذكرها


وقال سهل بن عبد الله من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الأيمان، يقال ثواب التوكل الكفاية.
1
وخماصا: جائعة ليس في بطونها شيء لكنها متوكلة على ربها عز وجل
وتروح بطانا تروح أي: ترجع في آخر النهار ممتلئة البطون من رزق الله.

السبت، 16 نوفمبر 2013

في صفة المحبين وأحوالهم

فقد ذكر الله تعالى في مواضع من القرآن الكريم قوله (فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥ) سورة المائدة أية 54، وقال سبحانه في موضع أخر(فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥ) سورة البقرة أية 169، آصل المحبة الألفة وأصل البغض المخالفة وقال رويم المحبة الوفا مع الأصل وقال سيدنا الشبلي المحبة نار تشتعل وخوف يرتحل ونورٌ ينتقل ، وقال أحمد بن عطا المحبة الغيرة عند ذكره وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي إذا ذكر شيئاً دون حبيبه حُرم محبته وقال أبو يزيد البسطامي المحب يرى استقلال الكثير من نفسه واستكثار الصغير من حبيبه وقال أبو الحسين النوري المحبة معيار الله تظهر القريب والبعيد ومن أدعى المحبة يشتغل بدون الحبيب فقد أشتهر كما قال أبو علي الروذباري في شعره:

وَحَقِكَ لا نَظَرْتُ إلى سِواكا**بعينِ مودةٍ حتى أراكا
ألست معذبي بجفون طرفٍ**وبالجد المورد من جناكا

وقال سيدنا الشبلي المحبة أولها كالمزاح وآخرها ذا قاتلٌ تكدر العيش بعد نعيمها ويمر(من المُر) الحياة بعد حلاوتها، سُئِل ذو النون المصري عن المحبة فقال كشف النقاب وقطع العتاب ورفع الحجاب، سُئِل سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن العشق فقال قلب خلا عن ذِكر الله فأذاقه الله طعم المخلوقين وقال أبو يعقوب السوسي قلوب إهل الأهواء سجون البلاء فإذا أراد الله عزّ وجل أن يعذبّ البلا سجنه في قلوب أهل الأهواء، سُئِل بعضهم عن المحبة فقال أفراط الرغبة وطلب الأوبه، والمحبة هي الموافقة المحبة هي لذة تجري بين المحب والمحبوب المحبة محن بالحبيب وعلامة الصادق في محبته ان لا يرى غير من يحبه ولا يذكر سواه ولا يشتغل بغيره، كما يقول الشاعر:

اروح وقد ختمت عَلَيَ فؤادي**بحبك ان يحلّ به سواكا
فلواني استطعتُ غمضتُ طرفي**فلم أّبّصر بهِ حتى اراكا

وقالت شعوانة منذ عرفت الله تعالى ما اردت معه غيره جنة ولا ناراً ولا انَسَ قَلبي بسواه، المحبة إذا غلبت على صاحبها يرى جميع الأشياء بصفة حبيبه وقيل محبوبه كما قيل عن أبي يزيد البسطامي شعره:

أيها السائِل عن قصتنا*لوترانا لم تفرق بيننا
أنا من أهوى ومن أهوى أنا**نحن روحان حللنا بدنا
فاذا أبصرتني أبصرته**وإذا أبصرته أبصرتنا

وبلغنا أن زليخا امرأة العزيز لما شغفت بيوسف عليه السلام وشغفها حباً كانت تسمي الأشياء كلها يوسف وكانت إذا أرادت الثياب أو الطعام أو الشراب كانت تقول يوسف يوسف لِغَلَبَةْ شَغَفِها بيوسف عليه السلام، وحكي عن سيدنا موسى عليه السلام لما رجع من طور سَيّناء كان من شدة شغفه بالطور يدور في بني إسرائيل فيقول طور سَيّناء طور سَيّناء، ويسمى المحبة محبةً لا نها تمحوا من القلب كل شيءٍ إلا المحبوب وقال شروق عين المحب ترضي النظر الى المحبوب وقال يحيى بن صعاد الرازي لو كانت العقوبة بيدي يوم القيامة ما عذبت العشاق لإن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار سُئِلَ بعض المشايخ عن المحبة فقال اشتهار القلوب بالثناء على المحبوب وإيثار طاعته والموافقة له كما قال ذو النون في شعره:

لو كان حبك صادقاً لَأَطَعْتُهُ***إنَ المُحِبَ لِمَن يُحِبُ مُطيع

المحبون على ثلاثةِ أحوال الحالة الأولى محبة العامة يتولد من إحسان الله عليهم والدليل عليه ما روي عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال جُبِلَتِ القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وحظوظها صفاء الود مع دوام الذِكر لإن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم قال من أحب شيئاً أكثر من ذِكره، والحالة الثانية من المحبة يتولد من نظر القلب الى الله سبحانه وتعالى وهو حُب الصادقين وشرطها هتك الأستار وكشف الأسرار ومحو الأرادات وأحراق جميع الصفات كما أنشد عبد السلام:

أي مُحِبٌ فيكَ لم أحكهِ**وأي ليلٍ فيك لم أبكِهِ
إن كان لا يرضيكَ إلا دمي** فقد أذِنا لَكَ في سَفْكِهِ
ما شِئتَ فافعل غير ستر الهوى**بالله لا تحرص على هتكهِ

والحالة الثالثة من المحبة يتولد من نظرهم ومعرفتهم تقدم حُبُّ اللهِ بلا علةٍ وهو محبة الصادقين والعارفين وهو دليل عليه كما سُئِلَ ذوالنون المصري عن المحبةَ الصادِقةَ فقال سقوط المحبة عن القلب والجوارح حتى لا يكون فيها المحبة ويكون الأشياء للهِ وَبِاللهِ فذلِكَ المحب لله تعالى وقال أبو يعقوب السوسي لا تصح المحبة حتى يخرج من رؤية المحبة الى رؤية المحبوب بفنا علم المحبة وقال بعضهم من أحب أخاً يحب أن يرى حفاه وفاءً وإِعراضَهُ إقبالاً ولا يسخط منه حالاً وقيل عن سيدنا الشبلي من قتله حبيبهُ فديتُهُ رؤيَتُهُ ومن قتله شوقُهُ فديَتُهُ قُربُهُ، سُئِلَ أبو علي الروذباري عن الفرق بين الهوى والمحبة فقال الهوى عند بدو المشاهدة والمحبة تناهي المؤانسة والهوى يحلُ في القلب والمحبةُ يحل فيها القلبُ، يقول الشاعر:

وما الناسُ إلاّ العاشقون ذوي الهوى**ولا خير فيمن لا يحبّ ويعشقُ


وقال سيدنا الشبلي نار الشوق تذيبُ النفس ونار المحّبةِ تذيب الأرواحَ، وقال أبو عمر الدمشقي المُحِبُ مُتَلَذِذٌ والعاشِقُ مُعَذَبُ.

وفي قوله سبحانه وتعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ) سورة ال عمران أية 31، حيث أشترط الله سبحانه وتعالى حبه وأتباعه بحب سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله وسلم وأشترط الأتباع بالحب والحب بالأتباع فكيف تتبع من لا تحبه وتحب من لا تتبعه بصدق فإذا لم تنزل عليك صفات المحبوب أي سيدي رسول الله صل الله تعالى عليه وآله وسلم فكيف تدعي إتباعهُ وحبك لله سبحانه وتعالى كما في قول سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره المَحَبَةُ نزول صفات المحبوب على بدل من صفات المحب.