التوكل:
التوكل ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه
العزيز القرآن الكريم قوله في الأية رقم (3) سورة الطلاق (وَمَن يَتَوَكَّلْ
عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ) أي حسبه الله من جميع خلقهِ وقال جَلَ وعَلا في
الأية رقم (12) سورة إبراهيم (وَعَلَى ٱللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ) وقال سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صل الله تعالى عليه وآله وسلم في سورة آل عمران أية (159) (فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ) وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
عن سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم (لو توكلتم على الله حق توكله لرزكم
كما يرزق الطير تغدوا خِماصاً وتروح بطاناً)1، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه
الله تعالى حسب من توكل وحسب من لم يتوكل يعني الله تعالى كافٍ للخلق جَهِلوا أم
عَلِموا لأنه خالقهم ولا يمكن كفايتهم إلا هو، وروي عن سيدنا الرسول صل الله تعالى
عليه وآله وسلم (من ضمِنَ لي خِصلة أضمن له الجنة فقال ثوبان أنا يا رسول الله فقال
لا تسأل الناس شيئاً) فكان إذا سقط السوط من يدهِ لا يُكلف أحداً أن يناوله، وكانت
السيدة عائِشة رضي الله تعالى عنها تعاهدوا
ثوبان والامات هزلاً، وقال سيدنا النبي صل الله تعالى عليه وآله وسلم (من توكل على
الله عز وجل وقنع كفي الطلب)، وقال سيدنا الشيخ الحسن البصري قدس سره من توكل ورضي
وقنع أتاهُ الشيْ بلا طلبٍ، وقال علي بن عبد الرحمن القناد دخلت قرقيسيا سنة 315
فرأيت بها شيخاً يُعرف بأبي الأزهر له أربع مائة من التلاميذ وكلهم يقولون بالتوكل
وترك الكسب وحكي أن الله تعالى أوحى الى عيسى عليه السلام توكل علي أكفِك ولا تتولى
غيري فأخذلك، قيل من أستغني بالله تعالى أكتفي ومن أنقطع إلى غير الله تعالى
تَعَنا، وقال سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره
لا تهتم لرزقك الذي قد كفيته وأعمل عملك الذي قدرته فان ذلك من عمل الكرام
والفتيان، وقال سفيان بن عينية قيل لآبي حازم ما مَالَكْ فقال لي مالان الثقة
بالله تعالى و الإياس مما في أيدي الناس وكان سيدنا الشيخ الحسن البصري قدس سره يقول
من أتكل الى حسن الاختيار من الله تعالى فالواجب عليه أنه لا يتمني انه في غير
حاله الذي اختاره الله تعالى له، ويقال أطول الناس غماً أسوأهم بالأرزاق ظناً،
وقال سهل بن عبد الله من أهتم للخبز فليس له عند الله تعالى قدر، قيل لأبي عثمان
من أين تأكل فقال إن كنت مؤمناً فانت مستغنيٍ عن هذا السؤال وإن كنت جاحداً فلا خطاب
معك ثم تلى الأية (وَمَا مِن دَآبَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى
ٱللَّهِ رِزْقُهَا) سورة هود أية رقم 6، وقال أبو يزيد البسطامي يقول الله تعالى
من أتاني منقطعاً إليَ جعلت إرادتي في أرادته وجعلت له حياةً لا موت فيها.
صفة التوكل:
امر الله تعالى
عز وجل بالتوكل وجعله مقروناً بالأيمان لقوله سبحانه وتعالى (وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا۟
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) أية رقم (23) سورة المائِدة، فجعل التوكل عليه حقيقة
الأيمان فالتوكل حبل الله تعالى في الأرض يقوي به قلوب المؤمنين والجوع طعام الله
تعالى في الأرض يشبع به قلوب الصديقين والحرص راية الله تعالى في الأرض يضعها في
قلوب الراغبين، وقال سهل بن عبد الله أول مقام التوكل ان يكون العبد بين يدي الله
عز وجل كالمّيت بين يدي الغاسل يقلبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير، وقال
سيدنا الشيخ جنيد البغدادي قدس سره ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب إنما سكون
القلب الى ما وعد الله تعالى، سُئِل ذو النون المصري عن التوكل فقال خلع الأرباب
وقطع الأسباب وقال رويم التوكل أسقاط رؤية الوسائط والتعلق باعلا الوثائق والتوكل
اعتماد جواهر القلوب على الله سبحانه وتعالى بأن له الأطماع عما سواهُ ويقال ذاتية
التوكل انتظار السبب من المسبب من غير رؤية السبب بلا اهتمام ولا كرب ولا حزنٍ ولا
طَرَبٍ وقال إبراهيم بن أدهم التوكل ان يستوي عندك افخاذ السبع والمتكأ على
الحشايا وقال الدقائق التوكل رد العيش الى يوم واحدٍ وأسقاط هم غدٍ وقال رويم
التوكل الثقة بالوعد وقال أبو عثمان التوكل غض البصر عن الدنيا وقطع القلب عنها
وقال أبراهيم الخواص سيد المتوكلين التوكل هو اعتقاد القلب على أن الله سبحانه
وتعالى هو الخالق الرازق المالك للأشياء المعطي المانع الضار النافع القابض الباسط لا معجل لما أخر ولا مؤخر لما عجل وان
العبد بحركته لا يزداد في رزقه لان الله تعالى قد قسم الأرزاق وفرغ منها وتول
القيام بها دون الخلق فشيء من الرزق يأتي بالطلب وشيء يأتي بغير طلبٍ فمن يكن من
أهل المعرفة يستحي من الله تعالى ان يتوكل عليه ليكفيه ام رزقه خاصة لان الكفاية
من الله تعالى قائمة للخلق فهو يستحي منه ان يبدي شيئاً قد تولى الله تعالى كفايته
مثل الموت وروعته والسكون عند نزوله ووحشة القبر وانفراده فيه ولقاء المنكر ونكير
والبعث والنشور وطول القيام والوقوف في القيامة وشدة الحر في يوم طويلٍ فاعمل في
هذا التوكل اذا احكمت التوكل عليه فهذا التوكل قد غفل عنهُ كثير من المتوكلين وقال
بن مسروق من ترك التدبير عاش في راحة التوكل هو ان يكون العبد كالطفل الصغير في
حجر امه تقلبه كيف شاءت بأحسن التدبير وقال أبراهيم الخواص في كتاب التوكل: التوكل هو ان لا يركن القلب الى مالٍ
ولا تجارة ولا سببٍ ولا مخلوق ولا يركن القلب الا الى الله تعالى حتى يجد في المنع
من حلاوة مثل ما يجد في العطايا هو سكون القلب الى ما في الغيب مما قسمه الله
تعالى وغيبه ُ واخفاه الى موافقته فيكون سكون الى ما في الغيب كسكونه الى ما في
اليد يحدث عليه الحوادث وما عند الله هو الباقي يأتي به في أوقاته فاذا بلغ القلب
ذلك كان قوياً عند زوال الدنيا واقبالها وعند المنع والعطايا وقيل الرزق ثلاثة رزق
العام من الحركة ورزق الخاص من القسمة ورزق خاص الخاص من عين القدرة وقال محمد بن
كرام حسبك من التوكل لا تطلب لنفسك ناصراً غيرهُ و لا لرزقك خازناً غَيرهُ ولا
لعملك شاهداً غيرهُ وحكي ان أبراهيم بن شيبان سُئِل عن التوكل في ذاته ما هوَ فقال
هو سِرٌ بين الله تعالى وبين العبد فالواجب عليه ان لا يطلع على سرهِ غير الله
تعالى قال يحيى بن معاذ الرازي التوكل درجاتٍ أولها ترك الشكاية والثاني الرضا
بالمقسوم والثالث المحبة فأولها للصالحين والثاني للأبرار والثالث للأنبياء
وسُئِلَ سيدنا الشبلي قدس سره عن التوكل في وقت الحضور ثم أنشد وجعل يقول:
كم حاجةٍ لي
إليكَ أسترُها**أخافُ عِندَ التلاقي أذكرها
وقال سهل بن
عبد الله من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في
الأيمان، يقال ثواب التوكل الكفاية.
1
وخماصا: جائعة ليس في بطونها شيء لكنها متوكلة على ربها عز
وجل
وتروح بطانا تروح أي: ترجع في آخر النهار ممتلئة البطون من رزق الله.
وتروح بطانا تروح أي: ترجع في آخر النهار ممتلئة البطون من رزق الله.