شرح اسمه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: الداعي.
قوله في شرح اسمه صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم الداعي: فيحتمل أنه من دعاء الله ناداه، أو رغب إليه أو عبده من نحو قوله:} وَأَنَّهُ لَمَّا
قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴿١٩﴾قُلْ إِنَّمَا
أَدْعُو رَبِّي {الجن: 19-20، ويحتمل أنه من دعاء الخلق إلى
الله ليقبلوا إليه وقد قال تعالى:} وَدَاعِيًا إِلَى
اللَّهِ بِإِذْنِهِ {الأحزاب: 46،
وقال: } أَجِيبُوا دَاعِيَ
اللَّهِ{ الأحقاف:
31، وقال: } قُلْ هَـٰذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ{
يوسف:108، وقال: } وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ{الحديد:8، وقال: } ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ{النحل:125، وقال سيدنا الإمام علي كريم الله وجهه، إن
الله تعالى حين شاء تقدير الخليقة، وذرء البرية، وإيداع المبدعات، نصب الخلق في
صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحيد جبروته،
فأشاح نورًا من نوره فلمع قبس من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور
الخفية، فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال الله عز
وجل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري، وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرح الماء، وأرفع
السماء، وأجعل الثواب والعقاب، والجنة والنار، ثم أخفى الله الخليقة في غيبه
وغيبها في مكنون علمه ثم نصب العوالم، وبسط الزمان، ومرح الماء، وأثار الزبد، وهاج
الريح، فطفا عرشه على الماء فسطح الأرض على وجه الماء، ثم استجابها الى الطاعة
فأذعنت بالاستجابة، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار ابتدعها، وقرن بتوحيده نبوة سيدنا
محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فشهرت في السماء قبل مبعثه في الأرض، فلما
خلق الله آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرَّفه
عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محرابًا وكعبة وبابًا وقبلة أسجد
إليها الأبرار والروحانيين والأنوار، ثم نبَّه آدم من الخير نبيًا ومستودعًا
ونورًا ولم يزل يخبأ الله النور تحت الميزان إلى أن فصل سيدنا محمد صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم ظاهر العنوان، فدعا الناس ظاهرًا وباطنًا وندبهم سرًا وإعلانًا،
واستدعى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل
النسل، فوفقه قبس من مشاح النور المتقدم اهتدى إلى سره، واستبان واضح أمره، ومن
أبلسته الغفلة استحق السخط.
قال الشيخ أبو محمد عبد الجليل القصري في
شعبه: فقد أعلمك رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عقدت
له النبوة قبل كل شيء، وإنه دعا الخليقة عند خلق الأرواح وبدء الأنوار إلى الله
تعالى كما دعاهم آخرًا في خلقه جسده آخر الزمان ومن هذا المعنى قوله تعالى: } وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ{آل عمران:81، الى قوله تعالى: } لَتُؤْمِنُنَّ
بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ{آل عمران:81،
إلى آخر المعنى، فقد آمن الكل به فهو آدم الأرواح ويعسوبها، كما أن آدم أبو
الأجساد، وسببها، ثم قال: انظر قوله عز وجل:} تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا{الفرقان:1،
والعالمون هم جميع الخليقة، فقد أنذر الخليقة أجمع وآمن الكل به في الأولية
والأخروية، وانتقال النور في جميع العالم من صلب إلى صلب، فافهم، انتهى.
وقد تكلم
الشيخ تقي الدين السبكي على هذا المعنى وقرره، ثم قال: وبهذا بان لنا معنى حديثين
كان خفيًا عنا:
أحدهما: قوله
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (بُعثتُ إلى الناس كافة)1، كنا نظن من زمانه إلى يوم القيامة، فبان
أنه جميع الناس أولهم وآخرهم.
والثاني: قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
(كُنتُ نبيًا وآدم بين الروح والجسد)2، كنا نظن أنه بالعلم، فبان لنا إنه زائد على
ذلك انتهى.
وقال شيخ أبو عثمان الفرغاني: فلم يكن داعيًا
حقيقيًا من الابتداء إلى الانتهاء إلا هذه الحقيقة الأحمدية، التي هي أصل جميع
الأنبياء، وهم كالأجزاء والتفاصيل لحقيقته فكانت دعوهم من حيث جزئيتهم عن خلافة من
كلهم لبعض أجزائه وكانت دعوته الكل لجميع أجزائه إلى كليته، والإشارة إلى ذلك قوله
تعالى:} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
كَافَّةً لِلنَّاسِ{سبأ:28، والأنبياء، والرسل، وجميع الأمم،
وجميع المتقدمين، والمتأخرين داخلون في كافة الناس، وكان هو صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم داعيًا بالأصالة وجميع الأنبياء والرسل عليهم السلام يدعون الخلق إلى
الحق عن تبعيته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكانوا خلفاءه ونوابه في الدعوة
انتهى وفي البردة:
وكل آي أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها يظهرن أنوارها للناس في الظلم
1-رواه أحمد في المسند(3:304)، والبيهقي في
السنن الكبرى(2:433)، والهيثمي في مجمع الزوائد(8:259)، وابن كثير في
التفسير(2:112)، والطبراني في المعجم الكبير(12:413)، وابن سعد في الطبقات الكبرى
(1:128)، والمتقي الهندي في كنز العمال(32004)، وابن حجر في فتح الباري (1:439)،
السيوطي في الدر المنثور (5:237).
2-رواه الحاكم في المستدرك (2:609)، وابن أبي
شيبة في المصنف (14:292)، وابن سعد في الطبقات الكبرى(1:95)، والمتقي الهندي في كز
العمال(31917)، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين(1:453)، والسيوطي في الحاوي
للفتاوي(2:260)، والبخاري في الصحيح(7:374)، والفتني في تذكرة الموضوعات (86)، وعلى
القاري في الأسرار المرفوعة(272).