أختلف الناس في اشتقاق
اسم التصوف فقال بعضهم اشتقاقه من لبس الصوف وقال بعضهم اشتقاقه من الصفة وأصحاب الصفة
وقال بعضهم هو مفعول من الصفا يقال صوفي صافاه الله كما يقال عوفي إذا عافاهُ الله
تعالى وقال أبو يزيد البسطامي إنما سميت الصوفية بهذا الاسم لأن الحق أنار لهم
نوراً شعشعانياً فرمقته الأبصار بملاحظتها عن كامن وجدٍ وظاهر علمٍ فمن لحظ بكامن وحدٍ
سمي صوفياً ومن لاحظ بظاهر علم سميَ صالحاً وقد قيل في هذا ثلاثة أجوبةٍ جواب بسط
العلم وهو تصفية القلوب من الأكدار واستعمال الخُلق مع الخليقة واتباع الرسول في
الشريعة وجواب بلسان الحقيقة وهو عدم الأملاك والخروج عن رقّ الصفات والاستغناء بخالق
السموات وجواب وجواب الثاني أصفاهم الحق عن صفاتهم فسموا صوفيةً قيل التصوف في
اللغةِ تفعل من لبس الصوف فيقال لمن لبس الصوف تَصَوّف ولمن لَبِسَ القميص تَقَمصّ
ولمن لبس الدِرعَ تَدَرَع والأصحُ وهو المعتمد هو التحلي بلباسه والترسم برسمه لا
الصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم دون نوع ولم يترسموا برسم من الأحوالِ والطاعات لانهم
معدن جميع العلوم ومحل جميع الأحوال المحمودة والأخلاق الرفيعة وهم مع الله تعالى
في الانتقال من حالٍ الى حالٍ مستجلبين الزيادة فلما كانوا في الحقيقة كذلك لم
يكونوا مستحقين لأسمٍ دون أسم ولا يضيف أليهم حالاً دون حالٍ ولا علماً دون علمٍ
ولو اضيف إليهم في كل وقتٍ مايكون الأغلب من أحوالهم وأعمالهم لكان الواجب أن
يسميهم في كل وقتٍ باسم أخر لأنهم معدن جميع ذلك فلما ضاق ذلك نسبهم الى طاهر
اللبسة لإن لبس الصوفِ داب الأنبياء والأولياء والصديقين فقيل الصوفية حتى يكون
أسماً عاماً محبراً عن جميع النسك.
يقول عبد القاهر
بن عبد الله السهروردي في كتابه عوارف المعارف أخبرنا الشيخ أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر
وقال أخبرني والدي قال أخبرنا أبو علي الشافعي بمكة قال أخبرنا أحمد بن أبراهيم
قال أخبرنا أبو جعفر بن محمد بن أبراهيم قال أخبرنا أبو عبد الله المخزومي قال
حدثنا سفيان عن مسلم عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صل الله تعالى عليه وآله
وسلم يجيب دعوة العبد ويركب الحمار ويلبس الصوف، فمن هذا الوجه ذهب قوم الى انهم
سموا صوفية نسبة لهم الى ظاهر اللبسة، لأنهم أختاروا لبس الصوف لكونه أرفق ولكونه
كان لباس الأنبياء عليهم السلام، روي عن سيدنا الرسول صل الله تعالى عليه وآله
وسلم (مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبياً حفاة عليهم العباء يؤمون البيت الحرام)،
وقيل أن عيسى عليه السلام كان يلبس الصوف والشعر، وكان يأكل من الشجر، ويبيتُ حيث
أمسى.
وقال سيدنا الشيخ
حسن البصري (قدس سره) لقد أدركت سبعين بدرياً كان لباسهم الصوف. وفيه معنى أخر:
وهو أن نسبتهم الى اللبسة تنبئ عن تقللهم من الدنيا وزهدهم فيما تدعوا النفس إِليه
بالهوى من الملبوس الناعم.
عن عبد الله بن
الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال سيدنا رسول الله صل الله تعالى
عليه وآله وسلم: يوم كلم الله تعالى موسى عليه السلام كان عليه جبة صوف وسراويل
صوف وكساء صوف وكمه من الصوف ونعلاه من جلد حمار غير مذكى.
وقيل سموا صوفية لأنهم
في الصف الأول بين يدي الله عز وجل بارتفاع هممهم وإقبالهم على الله تعالى بقلوبهم
ووقوفهم بسرائرهم بين يديه.
وقيل سموا صوفية
نسبة الى الصفة التي كانت لفقراء المهاجرين على عهد سيدنا الرسول صل الله تعالى
عليه وآله وسلم، الذين قال الله تعالى فيهم (لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ
ضَرْبًۭا فِى ٱلْأَرْضِ) أية 273 سورة البقرة، وهذا وإن كان لا يستقيم من حيث اشتقاق
اللغوي ولكنه صحيح من حيث المعنى، لإن الصوفية يشاكل حالهم حال أولئك لكونهم
مجتمعين متألفين متصاحبين لله وفي الله، كأصحاب الصفة، وكانوا نحو أربعمائة رجل لم
تكن لهم مساكن بالمدينة، ولا عشائر، جمعوا أنفسهم في المسجد كاجتماع الصوفية قديماً
وحديثاً في الزوايا والروابط والتكايا.
ولسان حالي يقول إن
التسمية جاءت من صفاء حالهم وأحوالهم بالله ولله فأصبحوا كورق الشجر الساقطة على بحر
أحوال الله عز وجل فتراهم يتموج حالهم بتموج بحر أحوال الله سبحانه وتعالى وتصفوا
عندما تصفوا البحر فتستقر أحوالهم.