الخميس، 21 نوفمبر 2013

حقيقة المحبة



سُئِل سيدنا الشيخ جنيد البغدادي عن حقيقة المحبة فقال الميل الدائم بالقلب الهائم وقال أيضاً سألتُ الشيخ سري السقطي هل يجد المحب ألم البلاء فقال لا وإن ضرب بالسيف قلت وإن ضرب بالسيف قال نعم ولو ضرب سبعين ضربةً، وقال بعض المشايخ أحببتُ كل شيءٍ يحبه حتى لو أحب النار لأحببتُ دخول النار وقال بشر بن حارث مررتُ برجُلٍ وقد النهرين في الشرقيةِ ببغداد وقد ضُرِبَ ألف سوطٍ ولم يتكلم ثم حُمِل الى الحبس فتَبِعتهُ فقلت لهُ لم ضُرِبت قال لأني عاشق فقلت ولم سكت فقال  لأن معشوقي كان بقربي فقلتُ ولو نظرت الى المعشوق الأكبر فزعق زعقةً خَرّ ميتاً وقال يحيى بن معاذ الرازي إذا نظر أهل الجنة الى الله تعالى ذهبت قلوبهم من لذة النظر إليه مائة سنة لا يرجع إليهم فما ظنك بقلوبٍ وقعت بين جماله وجلالهِ إذا  لاحظوا جماله تاهوا وإذا لاحظوا جلاله هابوا وقال بشر قصدتُ عبادان في بدايتي وإذا أنا برجُلٍ أعمى مجذوم مجنون قد صرع والنمل يأكل لحمه فقلت يارب أعمى مجذوم مجنون يأكل النمل لحمه ثم رفعتُ رأسهُ فوضعته في حجري وأنا أردد الكلام فلما أفاق قال من هذا الفضولي الذي يدخل بيني وبين ربي لو قطعني إرباً إرباً ما ازددت له إلا حباً قال بشر فما رأيتُ بعد ذلك نعمة بين عبدٍ وبين الله فأنكرتُها، وقال أبو عمر محمد أبن الأشعث البكري إن أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر الى يوسف عليه السلام فكانوا إذا جاعوا نظروا الى وجه يوسف شبعوا ويزول عنهم الجوع قال أبو سليمان الدارني ناولت أخي تمرةً فجعل يلوكها في فمه فوجدتُ حلاوتها في فمي وقال سعيد بن أحمد رأيت بالبصرىِ في خان عطا بن مسلم شاباً وفي يده مديةً وهو ينادي بأعلى صوته والناسُ حولهُ يقول شعراً: 

يوم الفراق من القيامة أطول*والموت من فقد الأحِبَةِ أجمل

قالوا الرحيل فقلتُ لستُ براحلٍ*لكن مهجتي الذي تترحل

ثم يقرُ بالمديةِ بطنهُ وَخَرَ ميتً فسألتُ عن أمرِهِ فقالوا لي إنهُ كانَ عاشقاً لفتاةٍ لبعض الملوك حُجِبَت عنهُ يوماً واحداً وبلغنا عن عمرُ بن الحارث قال كُنتُ في مجلسٍ بالرقة عند صديقٍ لي وكان معنا فتاً يعشقُ جارية مغنيةً وكانت في المجلس فضرَبَتْ بالقضيب وغنت عليهِ شعراً: 

علامةُ ذُل الهوى على العاشقين البكا* ولا سيما عاشقٌ إذا لم يجد مشتكا 

فقال لها الفتى أحسنتِ والله يا سيّدَتي أتأذنين لي أن أمت فقالت مِت راشداً فوضع رأسهُ على الوسادةَ وأطيق فمه وغمض عينيهِ فحركناهُ فإذا هو ميّت، فأنشدت:

إنما أهرب مما حل بي منك البكا*أنت إن تطلب روحي قلت ها روحي لديكا.