سيدنا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
يروى أن داود الطائي مَثَلَ ذات مرة أمام
سيدنا الإمام الصادق، وقال: يا ابن رسول الله: عِظني، فقد أظلم قلبي، قال يا أبا
سليمان، أنت زاهد هذا الزمان، فأي حاجة لك بموعظتي؟ قال: يا ابن الرسول، لك الفضل
على كل الخلائق، وعظة الجميع واجب عليك. قال: يا أبا سليمان، أخاف أن يطرق جدي
بابي في القيامة (قائلًا) لماذا لم تؤدي حق متابعتي؟ إن هذا الأمر لا يكون صحيحًا
بالنسب وقويًا به، هذا الأمر يكون بالمعاملة اللائقة بحضرة الحق. فبكى داود، وقال:
يا إلهي، ذلك الذي معجون طينته من ماء النبوة، وتركيب طبيعته من أصل البرهان،
وحجته جده الرسول، وأمه البتول، وهو في هذه الحيرة! فأنى لداود أن يزهو بحاله.
يروى أنه قد جلس ذات مرة مع مواليه، وقال
لهم: تعالوا؛ حتى نتبايع، ونتعاهد، بأن كل من ينجو منا يوم القيامة، يشفع للجميع،
فقالوا: يا ابن رسول الله، أي حاجة لك بشفاعتنا؟ إن جدك شفيع جميع الخلائق، فقال
الصادق: أخجل أن أنظر في وجه جدي يوم القيامة بأفعالي هذه.
يروى أنهم قالوا للصادق: تتحلى بكل الفضائل:
الزهد، وكرم الباطن، وقرة العين، والانتساب إلى أسرة شريفة، ولكنك متكبر جدًا،
قال: إنني لست متكبرًا لكن الكبر كبرياء، إنني عندما أطحت بالكبر عن رأسي، ساد
كبرياؤه هو، وحل محل كبري، فلا يجوز لي أن أتطبر بكبري، لكن بكبريائه هو.
قال: كل معصية كان أولها خوف وآخرها عذر تقرب
العبد إلى الحق.
وقال: كل طاعة كان أولها أمن وآخرها عجب تبعد
العبد عن الله. لأنه بهذا يصير العبد المطيع بعجب عاصيًا بالنسبة للحق، والعاصي
بعذر مطيعًا بالنسبة له.
سئل: أيهما أفضل: فقير صابر أم غني شاكر؟
فقال: الفقير الصابر؛ لأن قلب الغني يتطلع إلى الحافظة، والفقير قلبه مع الله.
وقال: لا تستقيم العبادة إلا بالتوبة، لأن
الحق تعالى قدم التوبة على العبادة، كما قال الله تعالى (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ)، وقال: إن ذكر التوبة عند
ذكر الله غفلة عن الذكر، وذكر الله في الحقيقة هو: أن ينسى الإنسان كل شيء إلى
جانب الله، لأن الله يعوضه عن كل شيء، وقد قال (سبحانه) في هذا المعنى آية (يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) وقد محا الواسطة واعلل والأسباب حتى يعلمون أن العطاء
محض.
وقال: المؤمن من ثبت
مع نفسه، والعارف من ثبت مع ربه.
وقال: كل من يجاهد
بالنفس، من أجل نفسه، يدرك الكرامات، وكل من يجاهد بالنفس من أجل ربه، يصل إلى
ربه.
وقال: الإلهام من
أوصاف المقبولين، والدليل أن عدم الإلهام من علامات المطرودين.
وقال: أليس الله أكثر
خفية في العبد من سير نملة على حجر أسود في ليلة مظلمة.
وقال: العشق جنون إلهي
لا مذموم، ولا محمود.
وقال: ذلك الوقت الذي
انكشف لي فيه سر المشاهدات، خلعوا عليّ صفة الجنون.
وقال: إن من حسن طالع
الرجل أن يكون خصمه عاقلًا.
وقال احذر مصاحبة خمسة
رجال:
أولًا: الكاذب الذي
تكون دائمًا منه على غرور.
ثانيًا: الأحمق الذي
يضرك في الوقت الذي يريد فيه أن ينفعك دون أن يدري.
ثالثًا: البخيل الذي
يقتطع منك أفضل وقت.
رابعًا: الحقود الذي
يتركك ضائعًا عند الشدة.
خامسًا: الفاسق الذي
يبيعك بلقمة، وبأقل منها، قالوا: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيه.
وقال: للحق (تعالى) في
الدنيا جنة وجحيمك الجنة هي العافية، والجحيم هو البلاء، العافية: هي أن تدع أمرك
لله، والجحيم: أن تترك أمر الله عليك.
وقال: (من لم يكن له
سر فهو مضر) لو كانت صحبة الأعداء ضارة بالأولياء للحق الضرر بآسيا بسبب فرعون،
ولو كانت صحبة الأولياء نافعة للأعداء للحقت المنفعة بامرأتي نوح ولوط. ولم يكن
ذلك سوى القبض والبسط.